الأحد، 4 أغسطس 2013

قرآن الحقائق لا أساطير الأولين



في الوقت الذي كان يغرق فيه بنو اسرائيل في أوهام بنوة الله ومحبته لهم مرددين أمنيات الخلاص يوم القيامة، كانت التوراة محتكرة لدى العلماء منهم، مخفية عن العوام ممن هم خارج المؤسسة الدينية. لقد عاشت اليهودية بشريعتين، شريعة معلنة متداولة بين الناس، وشريعة أخرى مخفية وراء الجدران وفي غرف المعابد المظلمة، لا يطبقها أحد، ولا يتحدث بها الذين اؤتمنوا على إيصال ما أمر الله به أن يوصل إلى الناس من تعاليمها وأحكامها.
وحين نزل القرآن الكريم جاء بحقائق التوراة والتي اجتهد علماء بني اسرائيل آنذاك في إخفائها بالزيف والأكاذيب ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ[1] ، وحين حاولوا اتهام دعوة القرآن في نبيها قيل بأنه يأخذ تلك الحقائق السماوية من كتبهم وعن طريق أحد العارفين بها ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ[2] .
ومع ظهور حقائق التوراة وحقائق أخرى رفض علماء بني اسرائيل في ظهورها على يد النبي محمد ، اجتهدوا في التصدي لدعوته وتكذيب العقائد وأحكام الشرع التي لم تتوافق مع أهوائهم، فكان رد النبي عليهم أن أظهروا التوراة للناس ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [3]  مما اضطرهم للتزوير والكذب على الله فأَتوا بآيات ادعوا أنها من التوراة حتى لا يخسروا الرهان ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[4] .
وحين تعرف الناس على حقيقة أكاذيبهم، اجتهد غالبية علماء بني اسرائيل في صد المتنورين منهم عن الإيمان بالقرآن الكريم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[5] ، وحاولوا تشويه دعوة النبي محمد ما استطاعوا ولكن الله شاء إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
نزل القرآن الكريم مُعلناً متداولاً بين أيدي الناس، حراً طليقاً من سجن الكهنوت لا يحتكره ولن يحتكره أحد إلى يوم الدين. وقد أعلن القرآن بنزوله انتهاء حقبة إخفاء الكتب السماوية من قِبل من ينصبون أنفسهم حماة للدين على مر العصور، أولئك الذين يلبسون جلباب الدين فيسلبون الدين صفاءه ويخفون معالمه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فيأمرون بغير ما أمر الله ويحرمون ما لم يحرمه، ويظهرون في العقيدة الربانية ما ليس فيها تبعاً لمصالحهم وأهوائهم العَقدية.
لقد فضح القرآن الكريم أكاذيب وأباطيل علماء بني إسرائيل في العقيدة والشريعة والأحكام والتي كان يتداولها ويعمل بها «الأميون» على أنها الحقيقة. الأميون وهم عموم الناس و«الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني» كانوا على ثقة تامة بأنهم على الحق الذي جاءت به التوراة وأن غيرهم يعيش في ظلام الشرك والجهل المطبق، وكانوا يحسبون أن لا وجود للكذب على الله والتلاعب بشريعته وأحكامه وأنه لن تقول الإنس والجن على الله كذبا.
بعد تلك الحقبة وذلك الدور الذي قامت به الرسالة المحمدية من تنقية العقائد الفاسدة والشريعة الباطلة لليهود والنصارى، بقي القرآن الكريم حجة على أتباعه وإماماً مبيناً لهم، يرشدهم إلى دين ربهم الخالص ما ااتموا به ورضوا باتباعه، وظلت آياته البينات مصدراً للحق وفرقانا عن الباطل لكثير من الأوهام التي تعتري الدين وأحكامه على مر العصور.
لم يُحتكر القرآن الكريم كرسم كما فُعل بالكتب السماوية السابقة، لكن لكي يكون هذا الكتاب الرباني فاعلاً مؤثراً لا بد وأن يُخرج المسلمون هذا الكنز من أسوار الهجران إلى ميدان الواقع. وأن لا يسجنوه في أطر المفاهيم الضيقة، وان لا يحجب نوره عنهم تلك النصوص الظنية التي هي أقل منه، أن يتخذوه مرشداً للحق بأن يعلو في نفوسهم ولا يعلى عليه. بين أيدي المسلمين اليوم كنز من الحقائق الربانية الخالصة تعلو فوق تهافت الأساطير، ويمكن لحضارة الإسلام والقرآن أن تعود فقط حين نرضى بأن يكون هذا الإمام المبين حكماً لا محكوماً تحت سلطة الأهواء المتفرقة.
[1]  سورة المائدة آية «15»
[2]  سورة النحل «103»
[3]  سورة آل عمران «93»
[4]  سورة البقرة «79»
[5]  سورة آل عمران «99»
نشر في  جهينة الإخبارية       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق