الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

ملة إبراهيم .. دين بلا تخدير






كان اليهود والنصارى كل يتحدث عن ديانته على أنها السبيل الوحيد للخلاص، وكان القرآن الكريم يعارض ذلك المعتقد ويصححه ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ[1] ، على أن ملة إبراهيم تتطلب مسؤولية الإنسان عن نفسه بامتلاك الوعي والقدرة على اتخاذ القرار، فلا يفكر عنه أحد، ولا يقرر عنه أحد.

لا ينفي القرآن الكريم مبدأ النجاة بالانتماء على أساس أن هناك انتماء أصح من آخر، لكنه يخالف مبدأ التبعية العمياء ويضع في قبال ذلك مبدأ حرية الفكر ومسؤولية الفرد مسؤولية تامة عن قراراته المصيرية بلا وصاية من أحد.
لقد تأسست ملة إبراهيم التي امتدحها الله سبحانه وتعالى في كتابه على أساس الانتقاد والمساءلة الفردية الواعية والفاحصة للموروث وكليات الدين ومعتقدات الآباء، فحنفية إبراهيم  لا تبالي بالمكانة الاجتماعية للأشياء والمعتقدات ما لم تلامس فطرة الإنسان وتثبت على قاعدة الحقيقة.
وإذ أن القرآن الكريم لم يُخصَّص لطبقة محددة، فهو يوجه خطابه لكافة الناس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ[2] ، وعلى أساس مسؤولية الفرد نجد أن حديث القرآن موجه للإنسان كونه قادراً على فهم كلام الله البين الواضح، يستمع القول فيتبع أحسنه. والنص القرآني وثيقة ربانية كاشفة لحقيقة الدين الذي يريده الله سبحانه وتعالى من البشر دون تلبيس للحق بالباطل من أي جهة كانت، وهذا بدوره يقود إلى تحول المجتمعات المسلمة المؤمنة بالكتاب السماوي إلى مجتمعات مفكرة وناقدة، لا مستهلكة للأفكار مجترة لها دون تمحيص وتدقيق، فلا تأخذ ما ترثه وما تراه أمامها دون الرجوع للنص القرآني الحافظ لأساسيات الدين والمحفوظ من رب العالمين. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ[3] .
في المقابل فإن الفكر الانتمائي الطائفي فكر إقصائي، يريد من الإنسان أن يقلل من ذلك الحق في التفكير بل ويحاول جاهداً في كبته وإلغائه وأن يوقف قوة التساؤل التي تقارن وتنتقد ما حولها وخصوصاً موروثات الآباء ومعتقداتهم، فبرفع الصوت وتشويه المخالف للرأي تارة وتلبيس الحق بالباطل والتمظهر بجلباب الحقيقة تارة أخرى، يُخرَس كل باحث عن الحقيقة، وتُفرض الوصاية على المجتمع، وتتوقف عجلة التفكير والتأمل في لب الأشياء وتنحسر قوة الانتقاد إلا في القشور، ويتحول الفرد إلى عنصر مستهلك، ونسخة مكررة تتعايش في محيطها، تردد دون تفكير «يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً».
ويلقي القرآن الكريم المسؤولية أمام المؤمنين فرداً فرداً قائلاً: من واجبكم ترشيح الموروث الديني وفرز ما لم ينزل الله به سلطاناً، وطرد ما اعترى صفاءه من تداخل الأهواء على مر العصور بالرجوع لهذه الوثيقة البينة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً[4] ، وتبقى النفوس المتحررة من الأغلال هي وحدها القادرة على اكتشاف الأباطيل واقتلاعها من الجذور.
يطرح القرآن الكريم الاتباع على أساس مبدأ أن الرجال يُعرفون بالحق الذي هو من عنده لا أن يعرف الحق بالرجال، فالانتماء لملة إبراهيم يعني كسر الأغلال التي تفضي إلى حرية لا تعيق التفكير. وحين يقول القرآن الكريم ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ[5]  يريد من المؤمن أن يحدد الهداية بنفسه حتى يتمكن من تمييز الاتباع الصحيح، فالإمامة البشرية تتحدد من خلال الإمامة القرآنية النيرة.
يظل الكتاب السماوي المصدر الصحيح للحقائق الربانية، ونقطة استقطاب لذوي الألباب والعقول المتحررة، ولطالما عانى الدين من التغييب والاحتكار، ولطالما اعترته الأباطيل. وإن القرآن الكريم يستنقذ الدين من تلك الأباطيل باستنقاذ الفرد المؤمن من السفاهة والتبعية العمياء، التي تريد منه أن يبقى متشدداً لموروثه.. معطل الفكر والحواس.
نشر في موقع راصد الإخباري https://www.rasid.com/?act=artc&id=54979
نشر في موقع جهينة الإخباري https://www.juhaina.net/?act=artc&id=10914

الأحد، 3 نوفمبر 2013

مدارسنا بلا سرير أبيض


في المهرجانات أو الحفلات الكبيرة يقوم المسؤولون عن تلك التجمعات بتأمين طواقم إسعاف مختصة وتوفير سيارات إسعاف طيلة مدة المهرجان، وفي مدارسنا للمراحل الثلاث يتجمع مئات الطلبة في مبنى واحدة دون أن يتوافر في ذلك المبنى غرفة إسعاف أو حتى صندوق بدائي لإسعافات أولية.

تفتقر مدارسنا إلى وحدات إسعاف أولي للحالات الطارئة التي تلم بالطلاب أثناء اليوم الدراسي، ووجود وحدات مدرسية معزولة عن المدارس لا يحقق الغرض الذي أنشئت من أجله ولا يراعي تلك الحالات الطارئة، إذ أن كل مدرسة بحاجة فعلية لمتابعة صحية مستدامة.
ولكي تقوم الوحدة الصحية المدرسية بدورها ينبغي لها أن تتواجد في الساحة التعليمية بشكل دائم لتؤدي دورها وتوصل رسالتها وهي في وسط الميدان لا بعيدة عنه. فتدريب معلم أو أكثر في كل مدرسة للقيام بإسعافات أولية للحالات الطارئة مهم ولكنه لا يفي بالضرورة الصحية الطارئة، فاستدعاء ذلك المعلم من بين طلابه أثناء حصته الدراسية لمباشرة حالة طارئة ليست في فصله، تعني انتقال مفاجئ وخلط في الأدوار وفي ذلك إجحاف في حق التربية وفي حق الرعاية الصحية للطلاب في آن معاً. مع العلم أن الوحدات الصحية المدرسية لا تقدم دورات في الإسعافات الأولية للمعلمين!
الحفاظ على سلامة الطلاب في الحالات الطارئة تستوجب وجود مختصين ويقوم المعلم بدور المساند لا القائم الفعلي بالعملية الصحية والإسعافية، خصوصاً أن حالات الإغماء الطارئة التي يتسبب فيها الإرهاق أو عدم تناول وجبة الإفطار أو حالات التسمم تكثر في فئات الأطفال والمراهقين، وتحتاج لمختص يخبر التعامل مع كل حالة.
دور الوحدة المدرسية لا يقتصر على القيام بالإسعافات الأولية للحالات الطارئة وحسب، بل يتعداها إلى تعزيز الثقافة الصحية في البيئة المدرسية بإقامة برامج التوعية بالإضافة للمتابعة الصحية للطلبة واكتشاف الأمراض في وقت مبكر، والتنسيق الشامل مع المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات، والمراقبة الفعلية على المقصف المدرسي والوجبة المدرسية.
وكثيراً ما يعاني بعض الطلاب من سوء تعامل من قبل المدارس مع حالاتهم المرضية بسبب نقص البيانات وغياب التوعية بحالاتهم المرضية، إذ لا تتوافر لدى المعلمين بيانات صحية دقيقة عن كل طالب وما تحتاجه حالته الصحية، من حاجة مستمرة لارتياد دورة المياه، أو حاجة لتناول الدواء في أوقات محددة، أو ما يعتري الطالب من نعاس وتعب شديد التي قد تتسبب بها بعض الأودية أو بعض الأمراض، وقد يلحظ المعلم ذلك كله ويتعامل معه على أنه حالة من حالات الاستهتار من قبل الطالب، فلا يحسن التصرف بسبب غياب المعلومة والإرشاد الطبي.
إن استكمال المعايير الخاصة بالصحة والسلامة للمدارس ليس ترفاً، بل هو أمر في غاية الأهمية للحالات الصحية الطارئة وغير الطارئة، وتؤكد الدراسات العلاقة الطردية التي تربط بين التحصيل الدراسي للطالب بالحالة الصحية، ولن يتحقق ذلك التكامل الطردي إلا بالتواجد الفعلي للمختصين في الصحة والإسعاف في كل مدرسة وبشكل دائم.
نشر في جهينة الإخبارية يوم 3/ 11 / 2013 https://www.juhaina.net/?act=artc&id=10705