الجمعة، 24 نوفمبر 2017

ملة إبراهيم - الحلقة العاشرة - الإيمان بالكتب


























للإيمان بالرسل إيماناً تاماً دون تفريق علاقة وطيدة بالإيمان بالكتاب، فالتفريق بين الرسل وتمزيق مشروعها الموحد إلى مشاريع متفرقة هو مدعاة للكفر ببعض الكتاب، ولا أدل على ذلك من صورة الالتحام للرسول بالكتاب لفظاً ومعنىً في مواطن عدة في كتاب الله، فعلاقة الرسول والكتاب هي علاقة تطابق يحفظ فيها الكتاب بين دفتيه شكل الرسول ومضمونه وأقواله حفظاً يتعذر فيه خطف الرسول إلى جهات أخرى غير الله. وبهذا الالتحام يمكننا أن نفهم ماذا يعني التفريق بين الرسل وما انعكاس ذلك على الإيمان بالكتب ”كل الكتب“.
التفريق بين الرسل وتقطيعها زبراً بين الأحزاب يقود إلى التفريق بين الكتب السماوية التي يأمر الله سبحانه وتعالى أن نؤمن بها كاملة مقيدة بشرط الوحدة. ذلك بأن الطوائف التي انحرفت عن الملة إلى بعض أهوائها لم تتمكن من ذلك إلا حين خطفت رسولها من طابور الأنبياء وأخرجته من ذلك الإصطفاف الطبيعي ورسمت لها خارطة جديدة تعزز من كيانها كأمة ممتازة عن بقية الأمم بما نسبته من أقوال مزعومة لذلك الرسول المخطوف. وهذا حتماً لا يكون إلا حين توفق تلك الأحزاب بين الكتاب الذي تدعي أنها مؤمنة به وبين ما هي عليه من حزبية وطائفية وتعال، لأنها مالت عن كتاب الله إلى غيره، والمشكلة أن ذلك الغير جاء مقنعاً بقناع الرسول مختوماً بختم له مزور، أنه قال لكنه لم يقل، وبتلك الأقوال يفرق أهل الغلو والعلو بين هذا الرسول وبين بقية الرسل، فيخرج من أمته الواحدة، ويفرق بينه وبين الله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً[1] 
إذاً ما تبقى لهؤلاء هو بقية باقية من الإيمان بالكتاب، فجل إيمانهم خطفته أقوال مزورة جعلت من الرسول نداً لله لا مطيعاً مسلماً لكلماته، ولم تستطع كلمات الله البيّنة أن تنزع منهم شيئاً مما تشربته قلوبهم من كلمات ما أنزل الله بها من سلطان. ولكي يُبقوا تلك البقية الباقية من إيمانهم بالكتاب تعزيزاً للتبرير وإسكاتاً للضمير اتخذوا بين ذلك سبيلاً، سبيل يوفق بين ما وجدوا عليه آباءهم وبين ما يفرضه الكتاب من حقائق إيمانية تنافي ماهم عليه. والآية فاضحة كاشفة بأن ما هم عليه هو إيمان مزور لا حقيقي وأنه لا إيمان مجزء للكتاب، ولا إيمان لمن يفرق بين الله ورسله ويبتعد بكلمات مزورة عن كلمات الله، ولا مصداقية لمن يناهض مشروع الكتاب بمشروع آخر مزيف باسم الرسول، يفرق به بين الأمم ويستبدل القسط الرباني بالحيف لصالح أمة لتكون هي أربى من بقية الأمم.
﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً «*» وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً[2] 
وما قد نلاحظه في تتمة الآيات هو وجود عبارة ”التفريق بين الرسل“ كبديل عن عبارة ”التفريق بين الله ورسله“ التي وردت في الآية السابقة «150»، وما تغيير اللفظ هذا إلا تأكيد على التطابق في المضمون والنتيجة، فالتفريق بين الله ورسله يكون بعدم تطابق الأقوال المزعومة لرسول كل طائفة مع أقوال الله في كتبه، وهذا ينعكس في جانب آخر على عدم تطابق الأقوال بين ذلك الرسول مع بقية الرسل، فكل أمة خطفت رسولها إلى جانبها، وأبعدته عن حبل الله الممدود إلى حبل آخر هي تريده.
الإيمان بالكتب هو التصديق بها، ولقد اشترطت ديباجة سورة البقرة المباركة أن يكون إيمان المؤمن بالكتب السماوية كلها فضلاً عن الإيمان بما أنزل على النبي محمد ﷺ، ومطلب الإيمان بجملة الكتب هذا يعكس جانباً هاماً وهو الإيمان بوحدة هدف الرسل وإن تعددت أدوارهم، وهو إيمان بتطابق الرسالات مع بعضها البعض، وتطابق أقوال الرسل مع ما ورد في الكتاب، وأن أي إخلال في هذا التطابق هو إخلال بحقيقة الإيمان الذي لايمكن له أن يتجزأ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  سورة النساء «150»
[2]  سورة النساء «151» - «152»

نشر في
جريدة الوطن - ص 21
جهينة الإخبارية 
قطيف اليوم

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

ملة إبراهيم - الحلقة التاسعة - التفريق بين الرسل




جعل الله سبحانه وتعالى ملة إبراهيم على ركائز بيّنة، وجعل إمامته نقطة ثابتة لانطلاق تسلسل الأنبياء والرسل من بعده، لترتسم خارطة الأنبياء بصورة تستعصي على التحريف فلا يسبقه إلى هذه الإمامة الثابتة أحد. فوجوده  في طليعة طابور الأئمة والمرسلين يقطع الطريق أمام المخسرين في الميزان الراغبين في فرض إمامٍ غيره حسب الأهواء. ولقد بينت الآيات القرآنية هذا الأمر في مواضع عدة، وأكدت عليه تحت عنوان ”التفريق بين الرسل“ والذي يعني في إحدى صوره تغييب دور إمامة إبراهيم، واحتلال هذا الموقع لصالح نبي أو رسول آخر لدواعي طائفية ومن أجل إعلاء أمة على أخرى. يقول الله سبحانه وتعالى عن طائفتين في زمن الرسالة كان من المفترض أن تكونا على ملة إبراهيم ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ[1] ، كان النبي محمد ﷺ يدعو إلى الملة ويعيد الناس إلى حقيقة ما كان عليه إبراهيم، داحضاً الافتراءات ومصححا الانحرافات بآيات بينات من الذكر الحكيم. لقد كان الرد على دعاوى النجاة بالانتماء إلى اليهودية والنصرانية هو العمل بملة إبراهيم، وتمام ذلك الرد هو بإعادة ترتيب الأنبياء في خارطة الرسل تبعاً لتسلسلهم في الملة ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[2] .
الآية الشريفة تأمر كل الطوائف أن يقروا بالإيمان بما أُنزل إلى النبي محمد ﷺ وما أنزل إلى نبي الله إبراهيم ، وما أنزل على فرعيه من أبناء العهد وأئمة الملة إسماعيل وإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب، ثم على ما أُنزل على فرع الملة الإسرائيلي «أبناء يعقوب» من كتب سماوية على موسى وعيسى عليهما السلام. بعد ذلك تكمل الآية ما يجب على المسلم المتبع للملة الإيمان به بأن ”لا نفرق بين أحد منهم“ الأمر الذي يضيف إلى الإيمان بأولئك الرسل عقيدة حماية هي الحفاظ على الترتيب والتسلسل الوظيفي لأنبياء الملة دون إخلال في هذا النظام. وحسب مقدمة الآية كان من المتوقع أن تكون خاتمتها ”لا نفرق بين كتبهم“ لأنها ذَكرت ما أُنزل على كل رسول، ولكنها ختمت بأنه لا تفريق بين الرسل، وفي هذا التحام في المضمون بين كتب الله وبين رسله، حيث يتماهى الاثنان ليشكلا وجهين لحقيقة واحدة هي الرسالة الربانية، فالرسول يعني الكتاب والكتاب يعني الرسول. ولهذا المعنى ارتداداته لتصحيح العقيدة، فالانحرافات عن أصل الملة كانت عن الكتاب باستغلال تلك الطوائف المتطرفة والمنشقة لأسماء الرسل بعد وفاتهم، فكل طائفة تغالي في رسولها وتنسب له مقولات تخالف أصل الملة وتحرفها عن الجادة. الآية الشريفة وأمثالها تقول لهذا التحزب: لا يمكن أن ينفك الرسول عن الرسالة ولا يمكن أن يكون للرسول موقف مخالف لأقوال الله في كتبه. ما يفعله الذين انشقوا عن أصل الملة إنما اتبعوا اقوالاً ظنية وابتدعوا طريقاً يدّعون فيه أن الرسول الذي يؤمنون بدعوته قد خطه لهم، لكن حقيقة الرسول خلاف ذلك وحقيقتهم هي ما تعبر عنها آية تالية لهذه الآية التي نتأملها هنا، وهي أنهم انشقوا عن الملة واتخذوا سبيلاً آخر ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[3] ، فإن آمنوا بكل الرسل بأنهم على نهج واحد دون أن يفرقوا بين أحد منهم فيما يقول وفيما يشرع فقد اهتدوا، وإن تولوا عن هذا الإيمان فاعلم إنما هم منشقون عن أصل الملة وإن ادعوا أنهم مؤمنون بها.
يمكننا أن نلحظ أن التفريق بين الرسل يكون على مستويين، الأول في الأقوال، والثاني في الوظيفة والمقام، الأول يكون حين ينسب للرسول ما لم يقله مما يخالف أصل الملة وركائزها الأساسية، وأما الثاني فهو بالغلو في ذات الرسول والإخلال بموقعه الحقيقي في خارطة الأنبياء إذ يتحول ذلك النبي الكريم من فرع تابع إلى أصل متبوع، ومن إمام مؤقت إلى إمام مؤسس ليأخذ بذلك مقام الخلة والثبات الذي يتبوأه ”كمقام وظيفي“ إمام المسلمين إبراهيم. إن الغلو في الأنبياء حولهم إلى أصول مختلفة متفرقة يرجع إليهم الجميع حتى نبي الله إبراهيم الذي سبق وأسس، وفي ذلك إسفاف واضح ومخالفة للمنطق لا يقبلها إلا المغالي الذي يميل كل الميل إلى معتقداته والذي يبتعد كل البعد عن أصل الملة.
خارطة الأنبياء التي تفرضها الآيات توحّد أقوال الأنبياء لترفض كل قول ظني متطرف شاذ عن الأصل، وتضع كل نبي في موقعه الزماني الصحيح ضمن قاعدة التابع والمتبوع، أما مقام إبراهيم فهو الطليعة كإمام متبوع للمسلمين، وكميزان يكشف المنشقين عن ملته بالغلو والطائفية. 
هوامش
[1]  سورة البقرة. «135»
[2]  سورة البقرة «136»
[3]  سورة البقرة «137»


نشر في
جريدة الوطن - العدد 12502 -  صفحة 21
جهينة الإخبارية 
القطيف اليوم

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

ملة إبراهيم - الحلقة الثامنة - أبناء العهد



يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المؤمنون ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ «*» فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[1] ، الاعتقاد السائد في زمن النبي محمد ﷺ أن الرسل الذين سبقوا كانوا يمثلون أئمة مختلفين لأمم مختلفة عن بعضها البعض، والآية الشريفة تنقض هذا الاعتقاد الذي تسبب في تفريق الدين وتؤكد الحقيقة أن أمة الرسل أمة واحدة وليست عدة أمم كما تتصورون، ذلك لأن مرجعيتها ملة واحدة. فإذا كان الأصل واحداً وجب أن تكونوا على ملة واحدة وعلى شرع واحد. جاءت اليهودية ببعثة نبي الله موسى ، جاءت النصرانية ببعثة نبي الله عيسى ، وكلاهما دعا للملة نفسها التي جاء بها أبوهما وإمام الجميع إبراهيم .
لأبناء إبراهيم مع الدين حكاية، بدايتها منذ العهد الأول ومنذ اللحظة الأولى التي عهد الله فيها لإبراهيم بالإمامة، يقول تعالى ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[2] ، ومن هنا بدأت الحكاية، حين سعى هذا الإمام بكل عزيمة لإعادة ملامح الدين إلى الحياة مرة أخرى، فكان أن ابتلاه الله بكلمات، تلك الكلمات امتحنت ثباته على طلب الدين والسير على نهجه، فأخذت منه ما أخذت من الصبر حتى أتمها خلال مدة زمنية ليست بالقصيرة، فكان ساعياً في أمر الله، ولا يُؤمر بأمر حتى يسارع في تنفيذه بلا تراجع، فاستحق بذلك السعي وذلك التأسيس أن يكون إماماً للناس عبر العصور. وحين العهد طلب إبراهيم الخليل من الرب الرحيم أن تكون الإمامة من بعده في ذريته «ومن ذريتي»؟ حتى يضمن للدين ديمومته عبر العصور، فاستجاب الله له ذلك باستثناء ”لا ينال عهدي الظالمين“.
الإمامة هي ركيزة من ركائز الملة الثلاث، وكمال الملة ببقية عناصرها وهي البيت والكتاب، فلا إمامة من دون قبلة واتجاه، ولا إمامة من دون كتاب رباني يحمل أوامر الله وشرائعه، وأن يعهد الله سبحانه وتعالى الإمامة لأحد فلابد وأن يكون معترفاً بعناصر الملة المكانية والدستورية أولاً، فلا يظلم بتبديل تلك الأساسيات من أجل أن يؤتيه الله الكتاب إيتاء معرفة ودراية وكشف للحقائق، فإن أوتي الكتاب ثم بلغ بعزيمته عزيمة المتحرك المتحمل للمسؤولية بلغ بذلك مرتبة الإمامة لقيادة التغيير، فالإمامة تعهد لمن يكون حاملاً لكلمات الله متحملاً مسؤولية تبليغها للناس، وعلى هذا الأساس أُبرم العهد بين إبراهيم وربه، على أن يتعهد الأبناء بعدم الظلم، فيعهد الله سبحانه وتعالى لهم الكتاب بإيتائه لهم، ليحملوه نوراً يستضاء به عبر الأجيال ولكافة الناس، وهذا ما حدا بنبي الله إبراهيم بأن يؤكد على أبنائه حين الموت ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[3] . آية ”لا ينال عهدي الظالمين“ إذاً تتحدث عن مشروع كبير طويل الأمد يمتد إلى آلاف السنين، مشروع يضمن بقاء الدين بجميع ملامحه الحقيقية في عهدة أبناء إبراهيم حفظاً ورعاية وتطبيقاً، مشروع يحفظ العنصر المكاني وهو الكعبة كقبلة وشعار بيّن لله مشهور بين الناس. وببقاء تلك العناصر تكون الحجة قد اكتملت، والطريق إلى الله اتضح لكل سالك يبحث عن الحقيقة، ليجدها ماثلة أمامه هاهنا.
لقد كانت نظرة نبي الله إبراهيم تتجاوز الأفق، وحلمه يتجاوز الزمان، فكان يدعو الله ببعثة رسول من ولده من بعده يحمل شعلة الإيمان للناس يوقد جذوتها بصلاته من وحي السماء لا يستضيء بغيرها، شعلة وقادة لا تطفئها أفواه المشركين. وكما وطن نفسه لخدمة هذا الهدف، دعا الله أن يأتي من صلبه من يحمل اسمه وينتسب إليه نهجاً وعقيدة. ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «*» رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «*» رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4] 
هكذا بدأت الإمامة بجهاد الإمام الأول ورافع قواعد البيت ومؤسس الملة نبي الله ابراهيم ، ثم تواصلت على يد أبنائه من بعده. النبي الإمام إبراهيم هو الذي أسس الملة بعد ضياعها بسبب ظلم الناس في تلك الأزمنة، وهو من أذن في الناس، وهو الذي وصى أبناءه من بعده بالتمسك بالملة وهو الذي جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم إليه يرجعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  سورة المؤمنون «52»، «53».

[2]  سورة البقرة «124»

[3]  سورة البقرة «127» - «129»

[4]  سورة البقرة «130» - «132»

نشر في :
الوطن العمانية - عدد 12495 - صفحة 21
جهينة الإخبارية 
القطيف اليوم