الجمعة، 6 ديسمبر 2013

حل لغز المربع العجيب!

حاول أن تجد الحل لهذا اللغز أولا قبل أن تقرأ الحل .


أولاً : إيجاد المساحات

مساحة المثلث الأخضر =  5   (مساحة المثلث = نصف القاعدة × الارتفاع) 
مساحة المثلث الأحمر = 12
مجموع مساحة المثلثين = 17

مساحة المستطيل في المثلث الأول = 15
مساحة المستطيل في المثلث الثاني = 16    (مع المربع اللغز)

مساحة المثلث الأول = 17 + 15 = 32
مساحة المثلث الثاني = 17 + 16 = 33
مجموع مساحتي المثلثين = 65              

إذا المثلثان غير متطابقين والمثلث الأول أصغر من المثلث الثاني ( 32 < 33 )

ثانيا: هل النقاط ABC على استقامة واحدة


 للتحقق من ذلك سنقوم بحساب مـيـول قـطــع المثلث الأول
              AB  =   2 / 5 ميل
              8 / 3   =  CB ميل
 بينما ميل القطعة    13/ 5    =  AC   
وهذا يعني أن النقاط ABC ليست على استقامة واحدة 
وبالمثل فإن النقاط DFE ليست على استقامة واحدة 
وما نراه من استقامة إنما هو خدعة بصرية 


ثالثاً : هل مساحة المثلث هنا هي نصف مساحة المستطيل؟ 
مساحة المثلث قائم الزاوية هي عبارة عن نصف مساحة المستطيل ولو افترضنا
أن هناك مستطيل أبعاده 5 ، 13 فإن مساحته هي عبارة عن 5 × 13 = 65 ونصف هذه المساحة هي 32.5 وهي المساحة الحقيقة للمثلث ACN  والمثلث DEM  ، لكن الشكل ABCN ليس مثلثاً لأن النقاط ABC ليست على استقامة واحدة وهذا المثلث ينقص بمقدار 0.5 عن نصف المستطيل فمساحته 32، وكذلك الشكل DFEM ليس ملثلثاً وهو يزيد بمقدار 0.5 عن مساحة نصف المستطيل فمساحته هي 33 . لكن مجموع مساحة المثلثين هي ( 32 + 33 = 65 ) .

رابعاً : مقارنة بين ارتفاع النقط في المثلثين:
                       
1- 8 / 15  =  5 * 8 / 3 = F2   (باستخدام النسب)
                             F = 2     
النتيجة                 F2    <     F 


2-        8 / 9  + B2 = 2    (باستخدام النسب)
                      3  =  B
النتيجة             B  <  B2

من (1) & (2) نجد أن نقط المثلث الثاني أعلى من نقط المثلث الأول.

خامساً: حقيقة المربع العجيب:
مما سبق نستنتج أن المربع العجيب ماهو إلا حاصل جمع ( 0.5 + 0.5 = 1 ) (تأمل) ، وأن ذلك تم بحرفية عالية من مصمم هذا المثلث بحيث يتم تحريك المربع 15 في المثلث الأول وتحويله إلى مستطيل 16 في المثلث الثاني ليوحي للناظر بأنهما مثلثان متطابقان ، ولكن في الحقيقة أنهما ليسا كذلك!






الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

ملة إبراهيم .. دين بلا تخدير






كان اليهود والنصارى كل يتحدث عن ديانته على أنها السبيل الوحيد للخلاص، وكان القرآن الكريم يعارض ذلك المعتقد ويصححه ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ[1] ، على أن ملة إبراهيم تتطلب مسؤولية الإنسان عن نفسه بامتلاك الوعي والقدرة على اتخاذ القرار، فلا يفكر عنه أحد، ولا يقرر عنه أحد.

لا ينفي القرآن الكريم مبدأ النجاة بالانتماء على أساس أن هناك انتماء أصح من آخر، لكنه يخالف مبدأ التبعية العمياء ويضع في قبال ذلك مبدأ حرية الفكر ومسؤولية الفرد مسؤولية تامة عن قراراته المصيرية بلا وصاية من أحد.
لقد تأسست ملة إبراهيم التي امتدحها الله سبحانه وتعالى في كتابه على أساس الانتقاد والمساءلة الفردية الواعية والفاحصة للموروث وكليات الدين ومعتقدات الآباء، فحنفية إبراهيم  لا تبالي بالمكانة الاجتماعية للأشياء والمعتقدات ما لم تلامس فطرة الإنسان وتثبت على قاعدة الحقيقة.
وإذ أن القرآن الكريم لم يُخصَّص لطبقة محددة، فهو يوجه خطابه لكافة الناس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ[2] ، وعلى أساس مسؤولية الفرد نجد أن حديث القرآن موجه للإنسان كونه قادراً على فهم كلام الله البين الواضح، يستمع القول فيتبع أحسنه. والنص القرآني وثيقة ربانية كاشفة لحقيقة الدين الذي يريده الله سبحانه وتعالى من البشر دون تلبيس للحق بالباطل من أي جهة كانت، وهذا بدوره يقود إلى تحول المجتمعات المسلمة المؤمنة بالكتاب السماوي إلى مجتمعات مفكرة وناقدة، لا مستهلكة للأفكار مجترة لها دون تمحيص وتدقيق، فلا تأخذ ما ترثه وما تراه أمامها دون الرجوع للنص القرآني الحافظ لأساسيات الدين والمحفوظ من رب العالمين. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ[3] .
في المقابل فإن الفكر الانتمائي الطائفي فكر إقصائي، يريد من الإنسان أن يقلل من ذلك الحق في التفكير بل ويحاول جاهداً في كبته وإلغائه وأن يوقف قوة التساؤل التي تقارن وتنتقد ما حولها وخصوصاً موروثات الآباء ومعتقداتهم، فبرفع الصوت وتشويه المخالف للرأي تارة وتلبيس الحق بالباطل والتمظهر بجلباب الحقيقة تارة أخرى، يُخرَس كل باحث عن الحقيقة، وتُفرض الوصاية على المجتمع، وتتوقف عجلة التفكير والتأمل في لب الأشياء وتنحسر قوة الانتقاد إلا في القشور، ويتحول الفرد إلى عنصر مستهلك، ونسخة مكررة تتعايش في محيطها، تردد دون تفكير «يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً».
ويلقي القرآن الكريم المسؤولية أمام المؤمنين فرداً فرداً قائلاً: من واجبكم ترشيح الموروث الديني وفرز ما لم ينزل الله به سلطاناً، وطرد ما اعترى صفاءه من تداخل الأهواء على مر العصور بالرجوع لهذه الوثيقة البينة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً[4] ، وتبقى النفوس المتحررة من الأغلال هي وحدها القادرة على اكتشاف الأباطيل واقتلاعها من الجذور.
يطرح القرآن الكريم الاتباع على أساس مبدأ أن الرجال يُعرفون بالحق الذي هو من عنده لا أن يعرف الحق بالرجال، فالانتماء لملة إبراهيم يعني كسر الأغلال التي تفضي إلى حرية لا تعيق التفكير. وحين يقول القرآن الكريم ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ[5]  يريد من المؤمن أن يحدد الهداية بنفسه حتى يتمكن من تمييز الاتباع الصحيح، فالإمامة البشرية تتحدد من خلال الإمامة القرآنية النيرة.
يظل الكتاب السماوي المصدر الصحيح للحقائق الربانية، ونقطة استقطاب لذوي الألباب والعقول المتحررة، ولطالما عانى الدين من التغييب والاحتكار، ولطالما اعترته الأباطيل. وإن القرآن الكريم يستنقذ الدين من تلك الأباطيل باستنقاذ الفرد المؤمن من السفاهة والتبعية العمياء، التي تريد منه أن يبقى متشدداً لموروثه.. معطل الفكر والحواس.
نشر في موقع راصد الإخباري https://www.rasid.com/?act=artc&id=54979
نشر في موقع جهينة الإخباري https://www.juhaina.net/?act=artc&id=10914

الأحد، 3 نوفمبر 2013

مدارسنا بلا سرير أبيض


في المهرجانات أو الحفلات الكبيرة يقوم المسؤولون عن تلك التجمعات بتأمين طواقم إسعاف مختصة وتوفير سيارات إسعاف طيلة مدة المهرجان، وفي مدارسنا للمراحل الثلاث يتجمع مئات الطلبة في مبنى واحدة دون أن يتوافر في ذلك المبنى غرفة إسعاف أو حتى صندوق بدائي لإسعافات أولية.

تفتقر مدارسنا إلى وحدات إسعاف أولي للحالات الطارئة التي تلم بالطلاب أثناء اليوم الدراسي، ووجود وحدات مدرسية معزولة عن المدارس لا يحقق الغرض الذي أنشئت من أجله ولا يراعي تلك الحالات الطارئة، إذ أن كل مدرسة بحاجة فعلية لمتابعة صحية مستدامة.
ولكي تقوم الوحدة الصحية المدرسية بدورها ينبغي لها أن تتواجد في الساحة التعليمية بشكل دائم لتؤدي دورها وتوصل رسالتها وهي في وسط الميدان لا بعيدة عنه. فتدريب معلم أو أكثر في كل مدرسة للقيام بإسعافات أولية للحالات الطارئة مهم ولكنه لا يفي بالضرورة الصحية الطارئة، فاستدعاء ذلك المعلم من بين طلابه أثناء حصته الدراسية لمباشرة حالة طارئة ليست في فصله، تعني انتقال مفاجئ وخلط في الأدوار وفي ذلك إجحاف في حق التربية وفي حق الرعاية الصحية للطلاب في آن معاً. مع العلم أن الوحدات الصحية المدرسية لا تقدم دورات في الإسعافات الأولية للمعلمين!
الحفاظ على سلامة الطلاب في الحالات الطارئة تستوجب وجود مختصين ويقوم المعلم بدور المساند لا القائم الفعلي بالعملية الصحية والإسعافية، خصوصاً أن حالات الإغماء الطارئة التي يتسبب فيها الإرهاق أو عدم تناول وجبة الإفطار أو حالات التسمم تكثر في فئات الأطفال والمراهقين، وتحتاج لمختص يخبر التعامل مع كل حالة.
دور الوحدة المدرسية لا يقتصر على القيام بالإسعافات الأولية للحالات الطارئة وحسب، بل يتعداها إلى تعزيز الثقافة الصحية في البيئة المدرسية بإقامة برامج التوعية بالإضافة للمتابعة الصحية للطلبة واكتشاف الأمراض في وقت مبكر، والتنسيق الشامل مع المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات، والمراقبة الفعلية على المقصف المدرسي والوجبة المدرسية.
وكثيراً ما يعاني بعض الطلاب من سوء تعامل من قبل المدارس مع حالاتهم المرضية بسبب نقص البيانات وغياب التوعية بحالاتهم المرضية، إذ لا تتوافر لدى المعلمين بيانات صحية دقيقة عن كل طالب وما تحتاجه حالته الصحية، من حاجة مستمرة لارتياد دورة المياه، أو حاجة لتناول الدواء في أوقات محددة، أو ما يعتري الطالب من نعاس وتعب شديد التي قد تتسبب بها بعض الأودية أو بعض الأمراض، وقد يلحظ المعلم ذلك كله ويتعامل معه على أنه حالة من حالات الاستهتار من قبل الطالب، فلا يحسن التصرف بسبب غياب المعلومة والإرشاد الطبي.
إن استكمال المعايير الخاصة بالصحة والسلامة للمدارس ليس ترفاً، بل هو أمر في غاية الأهمية للحالات الصحية الطارئة وغير الطارئة، وتؤكد الدراسات العلاقة الطردية التي تربط بين التحصيل الدراسي للطالب بالحالة الصحية، ولن يتحقق ذلك التكامل الطردي إلا بالتواجد الفعلي للمختصين في الصحة والإسعاف في كل مدرسة وبشكل دائم.
نشر في جهينة الإخبارية يوم 3/ 11 / 2013 https://www.juhaina.net/?act=artc&id=10705

الأحد، 1 سبتمبر 2013

التفكير الحر


مؤسسو العلوم الأوائل سبروا أغوار العلم حين تنبهوا عن غيرهم من الناس إلى الحقائق من حولهم، تماماً كما تنبه نيوتن إلى سقوط التفاحة فأومضت في عقله تلك الحادثة بارقة التساؤلات وقادته لاكتشاف قانون الجاذبية الشهير. إلا أن الطالب في مؤسساتنا التربوية يبدو غائباً عن الوعي، فتراه يقوم بأفعال بلا قناعة ويحفظ قوانين علوم لا يفهمها ولا يدرك أساسها.

لقد تسبب عرضنا للعلم بكم من المصطلحات إلى وقوع طالب العلم في حالة من رهاب المصطلح العلمي، وحجّم ذلك الأسلوب من قيمة الإدراك الفطري لديه وجعله في خانة الجهل والصغر. لقد عزلت المصطلحات (ذات الصبغة الاختصاصية) عموم الإنسان عن الحقائق وأطفأت في ضميره نار الحيرة وقوة طرح السؤال. فقد تحل الحيرة وتطرح الأسئلة، لكن العقل المفتون بهالة المصطلح يغيّب تلك التساؤلات لأنها تبدو تافهة صغيرة وغير متوافقة مع ذلك الكم الهائل من المصطلحات والقوانين. ونتيجة لذلك ابتعد الإنسان عن التأمل لأنه اقتنع بأنه يخطئ حين يتساءل عن شيء ليس من اختصاصه، وأن من هم في الاختصاص أولى بالإجابة والفهم.
المؤسسات التربوية مسؤولة عن حث النشء على التفكير الحر، بوضعهم في دائرة الحيرة التي تُوقِظ العقل وتنير الفكرة كما أوصلت العلماء الأوائل وقادتهم إلى استنتاج القوانين بلا مصطلحات، لا أن يُقذف في أدمغتهم مصطلحات جامدة تعيقهم عن كسر جمودها باحترامها لحد التقديس، يجب أن يدرك الطالب أن المصطلح إنما هو وسيلة اختصار يمكن استبدالها بمصطلح آخر ليس أكثر، وليست معياراً لقياس التحصيل لديه.
وهذا يتطلب وجود مثيرات هي المقدمات الحقيقية للعلم بدلاً من وجود مصطلحات هي عبارة عن خلاصات للنتائج، إن البداية الحقيقية للعلم تبدأ من المثير، وتلقين المصطلح يجعل من الطالب مستقبلاً للنتائج دائماً لا مشاركاً حقيقياً في فهم العلم وتوسيعه.
المثيرات تعني تجارب ومشاهدات متقنة، تعين المعلم من أن يتحول من ملقن لمجموعة على القوانين والمصطلحات إلى مرشد لمتعلمين. وهذا بدوره يقودنا إلى ضرورة وجود أدوات ومعامل مخصصة لإيجاد المثيرات الحقيقية والملائمة لجيل اليوم.

نشر في صحيفة الشرق بتاريخ 14 / 8 / 2013
نشر في جهينة الأخبارية  بتاريخ 1 / 9 / 2013
نشر في سعورس 

الخميس، 8 أغسطس 2013

مسألة الإمام علي و 17 جمل .



المسألة :
ثلاثة أخوة ورثوا 17 جملا بنسبٍ متفاوتة فكان الأول يملك نصفها، والثاني ثلثها، والثالث تسعها
ولم يجدوا طريقة لتقسيم تلك الجمال فيما بينهم دون ذبح أي منها،
ذهبوا للإمام علي لمشورته فقسم لهم الجمال بعد أن أضاف جملاً من عنده ليصبحوا 18
ولكن الغريب في المسألة أن المجموع النهائي بعد التقسيم يكون .. 17 جملا !!
حيث أن الإمام استرد جمله (الثامن عشر) مرة أخرى!


لفهم المسألة 
أولاً : نفهم النسب 


ثانيا : تطبيق مفهوم النسب على مسألة الإمام علي (ع) 





الأحد، 4 أغسطس 2013

قرآن الحقائق لا أساطير الأولين



في الوقت الذي كان يغرق فيه بنو اسرائيل في أوهام بنوة الله ومحبته لهم مرددين أمنيات الخلاص يوم القيامة، كانت التوراة محتكرة لدى العلماء منهم، مخفية عن العوام ممن هم خارج المؤسسة الدينية. لقد عاشت اليهودية بشريعتين، شريعة معلنة متداولة بين الناس، وشريعة أخرى مخفية وراء الجدران وفي غرف المعابد المظلمة، لا يطبقها أحد، ولا يتحدث بها الذين اؤتمنوا على إيصال ما أمر الله به أن يوصل إلى الناس من تعاليمها وأحكامها.
وحين نزل القرآن الكريم جاء بحقائق التوراة والتي اجتهد علماء بني اسرائيل آنذاك في إخفائها بالزيف والأكاذيب ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ[1] ، وحين حاولوا اتهام دعوة القرآن في نبيها قيل بأنه يأخذ تلك الحقائق السماوية من كتبهم وعن طريق أحد العارفين بها ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ[2] .
ومع ظهور حقائق التوراة وحقائق أخرى رفض علماء بني اسرائيل في ظهورها على يد النبي محمد ، اجتهدوا في التصدي لدعوته وتكذيب العقائد وأحكام الشرع التي لم تتوافق مع أهوائهم، فكان رد النبي عليهم أن أظهروا التوراة للناس ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [3]  مما اضطرهم للتزوير والكذب على الله فأَتوا بآيات ادعوا أنها من التوراة حتى لا يخسروا الرهان ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[4] .
وحين تعرف الناس على حقيقة أكاذيبهم، اجتهد غالبية علماء بني اسرائيل في صد المتنورين منهم عن الإيمان بالقرآن الكريم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[5] ، وحاولوا تشويه دعوة النبي محمد ما استطاعوا ولكن الله شاء إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
نزل القرآن الكريم مُعلناً متداولاً بين أيدي الناس، حراً طليقاً من سجن الكهنوت لا يحتكره ولن يحتكره أحد إلى يوم الدين. وقد أعلن القرآن بنزوله انتهاء حقبة إخفاء الكتب السماوية من قِبل من ينصبون أنفسهم حماة للدين على مر العصور، أولئك الذين يلبسون جلباب الدين فيسلبون الدين صفاءه ويخفون معالمه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فيأمرون بغير ما أمر الله ويحرمون ما لم يحرمه، ويظهرون في العقيدة الربانية ما ليس فيها تبعاً لمصالحهم وأهوائهم العَقدية.
لقد فضح القرآن الكريم أكاذيب وأباطيل علماء بني إسرائيل في العقيدة والشريعة والأحكام والتي كان يتداولها ويعمل بها «الأميون» على أنها الحقيقة. الأميون وهم عموم الناس و«الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني» كانوا على ثقة تامة بأنهم على الحق الذي جاءت به التوراة وأن غيرهم يعيش في ظلام الشرك والجهل المطبق، وكانوا يحسبون أن لا وجود للكذب على الله والتلاعب بشريعته وأحكامه وأنه لن تقول الإنس والجن على الله كذبا.
بعد تلك الحقبة وذلك الدور الذي قامت به الرسالة المحمدية من تنقية العقائد الفاسدة والشريعة الباطلة لليهود والنصارى، بقي القرآن الكريم حجة على أتباعه وإماماً مبيناً لهم، يرشدهم إلى دين ربهم الخالص ما ااتموا به ورضوا باتباعه، وظلت آياته البينات مصدراً للحق وفرقانا عن الباطل لكثير من الأوهام التي تعتري الدين وأحكامه على مر العصور.
لم يُحتكر القرآن الكريم كرسم كما فُعل بالكتب السماوية السابقة، لكن لكي يكون هذا الكتاب الرباني فاعلاً مؤثراً لا بد وأن يُخرج المسلمون هذا الكنز من أسوار الهجران إلى ميدان الواقع. وأن لا يسجنوه في أطر المفاهيم الضيقة، وان لا يحجب نوره عنهم تلك النصوص الظنية التي هي أقل منه، أن يتخذوه مرشداً للحق بأن يعلو في نفوسهم ولا يعلى عليه. بين أيدي المسلمين اليوم كنز من الحقائق الربانية الخالصة تعلو فوق تهافت الأساطير، ويمكن لحضارة الإسلام والقرآن أن تعود فقط حين نرضى بأن يكون هذا الإمام المبين حكماً لا محكوماً تحت سلطة الأهواء المتفرقة.
[1]  سورة المائدة آية «15»
[2]  سورة النحل «103»
[3]  سورة آل عمران «93»
[4]  سورة البقرة «79»
[5]  سورة آل عمران «99»
نشر في  جهينة الإخبارية       

الأربعاء، 24 يوليو 2013

رسالة القرآن في وعيها التاريخي








إن تغييب التاريخ الحقيقي لأي حركة، هو حكم عليها بالتيه والضياع، ومتى ما ارتبط أي حراك في مساره التاريخي الواعي أمن من الانغلاق والاضمحلال والتلاشي. إن دين الإسلام رسالة إلهية خالدة، ولكن بقاءها فاعلة مرهون بوعي حامليها، فكثيراً ما سقطت الدعوات والرسالات الإلهية من قبلها في غياهب بئر الجاهلية حين استُخدمت كأداة للتسلط والتعالي بدلاً من أن تكون كما أريد لها شعاراً للمحبة والسلام.
لايمكن لدعوة ممتدة عبر الزمان أن تقف في نقطة الحاضر متناسية الماضي أو أن تتغافل عن المستقبل. إذا كان للدين أن يتحرك في نفوس أتباعه بيقظة وعقلانية فلابد وأن يتحرك بموازاة وعي الزمان وحركة التاريخ. تعاليم رسالة الإسلام ليست مجردة، إنها مشبعة بطعم الزمان وعبق المكان، ولا يلبث قارئ القرآن في تلاوته حتى تنقله سورة البقرة إلى سلسلة من الأحداث والمواقف في زمان ما قبل الرسالة، كيما يأخذ القارئ تعاليمه بوعي تام ويرتبط بتاريخ الرسالة الممتد عبر العصور.
للدعوة الإلهية تاريخ، والقرآن الكريم يعمل على حفظه وتوثيقه، وآياته الكريمة تعظ المؤمن بالنص المباشر تارة، وبما وراء النص من خلال شواهد تاريخية تارات أخرى. وسورة البقرة المباركة وفي بداياتها تقول للمسلمين: أنتم تقفون هنا حيث انتهى الآخرون، في نهاية هذا الامتداد الزماني لهذه الرسالة السماوية، إنها تخاطب العرب «ضمناً»: «يابني اسماعيل»، بموازاة صريح الآية وهي تخاطب اليهود بـ «يابني اسرائيل»، وتحمّلهم بذلك أمانة رسالة المبادئ والأخلاق للعالم كله، كبديل عن أمة لم تحمل تلك الأمانة من قبل، ولم تحفظ عهدها مع الرسل فغيبت التوراة واستكبرت على القرآن وأهله.
وعي التاريخ هو مسار تتحرك فيه كل المشاريع الهادفة، وانفصال أي أمة عن تاريخها وغيابها عنه بسبب وقوعها في هيمنة قضايا تاريخية أخرى من شأنه أن يحرف الدعوة عن هدفها الأساس، فتتحرك ولكن ليس في المسار الصحيح. وسورة البقرة بهذا المنطلق تصف الدواء الناجع لأتباع الدعوة الإلهية في الحاضر، بأن يرفعوا رؤوسهم عن بئر الصراع الضيق، وأن يعيدوا ارتباطهم بتاريخ رسالتهم الحقيقي، بدلاً من ارتباطهم بحُقب اشتد فيها الصراع والخلاف فغابوا عن وعي رسالتهم، وسقطوا صرعى في دوامة أهوائهم تماماً كما حدث للذين من قبلهم.
لكل أمة تاريخ هو مبعث انطلاقها، وآيات الله التي جاءت بأحسن القصص جاءت لتظهر حقائق التاريخ التي من شأنها أن تؤسس لهذه الأمة نقطة الانطلاق، وهو التاريخ الذي يجب أن يَأخذ أولويته في أذهان من نزل الكتاب لهم وبلغتهم. وإن غياب وعي التاريخ وانحسار حس المسؤولية تجاه الرسالة، أوشك أن يدخل حامليها نفس الكهف المظلم الذي دخلته أمة التيه من قبلهم، فانشغالهم بتفاصيل النزاع البيني وارتباطهم بتواريخهم الحزبية أضعف تمسكهم وتنبههم لتاريخ الدعوة الأصيل فانحسرت قوتهم الجاذبة، وأضاعوا المسار الحقيقي لتلك الدعوة، وبدلاً من أن يوجهوا رسالتهم للعالم، توجهوا لمناكفة بعضهم البعض.
إن الرجوع لتاريخ القرآن، والتعلق به لا يعني التنازل عن تاريخ ما سواه، لكنه يعني أن يُعطى هذا التاريخ أولوية وبعداً يطغى على كل الأحداث التي جاءت فيما بعد، فهو أصل المنطلق. وإننا «في الواقع» نشهد حضوراً ضعيفاً وهزيلاً للأحداث التي أولاها الله سبحانه وتعالى أهمية كبرى في كتابه العزيز، فلا نبالغ إن قلنا إن حضورها في الأوساط الدينية والثقافية يأتي في سياق «أساطير الأولين».
لسنا بحاجة اليوم لاستنساخ شخصيات التاريخ وأحداثه إلى واقعنا الحاضر، إننا بحاجة لعقل يعي التاريخ ويأخذ العبر منه بدلاً من أن يجتره اجترارا، ويستيقظ عن غفلته لأهدافه الكبرى، ويتنبه لأصل دعوته ومنطلقها، بدلاً من أن يَضيع «كما ضاع الذين هم من قبله» في صحراء التيه سنين طويلة.
نشر المقال في جهينة الإخبارية   بتاريخ 
نشر المقال في موقع السيد حسين الصدر بتاريخ 25 / 7 / 2013م

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

مسار الوعي وحركة التغيير في القرآن الكريم





تعتني العلوم العامة بتفسير الظواهر من حولها ووصفها وصفاً دقيقاً لا تشوبه شائبة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون لذلك الوصف أو أن يكون لذلك التفسير أي تأثير على قلب الإنسان وحركته ودافعيته نحو التغيير. بينما الوعي هو حالة من تنبه الإنسان إلى المصير وإدراك خطورة ماهو فيه أو ما هو مقبل عليه فيكون لذلك الخوف حضور في قلب الإنسان وتأثير على حركته. لذا فإن العلم والوعي يتحركان في مسارين مختلفين، وما يعنينا هنا هو أن نتحدث عن الوعي وعن تلك الحقائق التي إذا انكشفت للإنسان أحدثت له تغييراً حركياً وعقائدياً، لا العلوم الطبيعية التي تُحدث للإنسان انبهاراً علمياً بحتاً حين يتمكن من تفسير أو تطوير شيء ما.
الوعي هو حالة انتقال من نوم وغفلة عن الحقائق المصيرية إلى تأمل وسكون، وهذا الانتقال تحدثه صدمة معنوية فيها الشعور بالألم والخوف وإدراك ومعرفة للحقائق، ولا يكون الوعي حقيقياً ما لم يُحدِث تلك الدافعية وما لم يتبعه تغيير وحركة لإيجاد حل للمشكلة التي تنبه لها عقل الإنسان وضميره.
يطرح القرآن الكريم بعض الأسئلة التي تدور في مدار وعي الإنسان كي تحدث لديه اليقظة والتنبه، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الواقعة ﴿أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ «68» أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ «69» لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ «70» [1] . أقرب الناس لاستيعاب هذه المعاني في قلبه هو الأقرب للشعور بالألم والخوف من تحقق هذا التهديد الرباني في تحول الماء إلى أجاج فعلاً، وإن حدث ذلك الشعور فإنه ينقل صاحبه إلى حالة التنبه وهي البحث عن الحقائق وطرح الأسئلة الجادة التي تعتني بحقيقة وجود الإنسان ومصيره.
الخوض في التفاصيل غالباً ما يكون سبباً في تغييب وعي الإنسان لأنه ينهك العقل في أسئلة تبعده عن أسئلة الكليات وتجنبه الخوض في الحقائق والأصول للمواضيع. نبي الله إبراهيم  وهو في مقتبل حياته يطرح تلك الأسئلة التي لا تعتني بالتفاصيل وإنما تبحث في الكليات وتتفكر في مشروعية الشيء من أصله: ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ «52» قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ «53» قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «54»؟ [2]  ورغم أنه شاهد الأصنام منذ الصغر إلا أن تلك الألفة التي ألفها والهالة القدسية التي تحوم حولها لم تمنعه من أن يسأل في مشروعيتها وأصلها وحقيقتها. لم يسأل عن أي التماثيل أقرب وأيها أقوى لم يذهب للتفاصيل، ولكنه وقف عند الكليات ليسأل وبكل جرأة عن ماهيتها في الأصل؟
العلم البحت هو خوض في التفاصيل وسبر في أغوار دقائق الأمور. والسير في تلك الأغوار يغيّب وعي الإنسان حتماً عن الكليات وعن الأصول. تفاصيل العلم الدقيقة هي نتاج عقل، أما حالة استيعاب الكليات هي وعي يسكن في قلب الإنسان وضميره. لذا وجب أن يكون قلب الإنسان هو صاحب السيادة والقدرة على التوجيه، وعلى العقل أن يبقى أداة من أدوات الوعي وأن يستجيب لذلك القلب الذي يرشده أي التفاصيل تستحق البحث.
سؤال بني اسرائيل لنبي الله موسى ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ «70»؟ [3]  هو سؤال في مستوى التفاصيل لكنه لم ينبع من وعي، وإنما من عقل استغرق في ذات الأمر وحيثياته وغاب قلب صاحبه عن الكلية الأصل وهو الإمتثال لما يأمر به الله سبحانه وتعالى وحسب ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ «68». إن القضية هنا ليست: لون البقرة التي يجب أن تُذبح؟ إن القضية الكلية والأصل في الموضوع هو حس الإستجابة الفورية التي لا يعيقها ولا يشغلها النظر إلى التفاصيل ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ «71»! يجب أن لا يُقدم العلم على الوعي، وأن لا ننشغل بتفاصيل العلوم قبل أن نعي حقيقة الأمر الذي نحن بصدده، وألا يكون نهم الإنسان للعلم وتفاصيله سبباً في غياب الإنسان عن الوعي.
في خمسينيات القرن الماضي، وفي خضم هياج الثورة العلمية لعلماء الفيزياء والفلك، أصدرت إحدى الدوريات العلمية عدداً كُتب على غلافه «لقد اكتشفنا الله»، وهذا التعبير تعبيرٌ علمي بحت لا يراعي القيم، فالإنسان المخلوق لا يستحق أن يعبر بهذا التعبير عن خالقه، وهذه العبارة أعطت تقديراً لعقل الإنسان ولم تراعِ قدر ذلك العقل أمام الله سبحانه وتعالى، ولو أدرك أولئك العلماء القيمة الحقيقية للإنسان لقالوا: «اكتشفنا أنفسنا»، وهو الاكتشاف الأحرى بالإنسان أن يعيه ويتنبه له، ولكن العلم إن هو انطلق بشكل مستقل عن قيم الإنسان العليا والكليات الأصل دفع صاحبه نحو الغرور والتعالي حتى أمام خالقه.
نشر المقال في جهينة الإخبارية بتاريخ 16 / 7 / 2013م 

نصف الخبر .. خبر كاذب

استوقفتني المساءلة الربانية في سورة المائدة لنبي الله عيسى  في يوم القيامة ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟، وجاءت تكملة الآية برد نبي الله عيسى : ﴿إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. استوقفتني هذه المساءلة الربانية لأنه سبحانه وتعالى غني عنها فهو علام الغيوب ومع ذلك أقامها، وفي شؤون حياتنا اليومية يغيب عنا سلوك الاستيضاح والاستفسار مع أننا بأمس الحاجة إليه.

قد يزعجنا نصف الخبر الذي يحمل سوءاً حين يتناهى إلى أسماعنا، ونتخذ الموقف السلبي تجاه البعض قبل أن نكمل نصفه الآخر، بالتحقق أو بسؤال استيضاح. تنتابنا الريبة فور وصول الأنباء المقتضبة، ونترك العنان لمخيلتنا لاستكمال أحداثها قبل أن نستفسر عنها من أصحابها ومن مصادرها الحقيقية، فتطير عقولنا نحو المجهول ونعتمد الظن بدلاً من اليقين. وهذا خلاف لما يعلمنا إياه خلق القرآن وآدابه في المعاملات.

عندما تنطلق ردود الأفعال على أساس الظن، وبناءً على تصورات تنشئها أخبار ظنية وغير مكتملة، يتسبب ذلك في فساد اجتماعي كبير، إذ تحدث القطيعة وتتورم مفاصل العلاقات الاجتماعية بلا أسباب حقيقية.
خلق الاستيضاح وثقافة التساؤل خلق قرآني أصيل، فهو يحفظ العلاقات ويرمم ما تفسده عواصف الأخبار المبتورة والمثيرة للشك والريبة. يحثنا القرآن على وقف سلبية التفكير فيقول مستنكراً للظانين ظن السوء ﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، ويعاتب المؤمنين في حادثة الإفك قائلاً ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ تستنكر الآية قائلة: لماذا يجنح بكم التصور إلى سوء الظن ببعضكم وقتما يردكم النبأ السيء؟ لربما كان خاطئاً! أو أن لنصف النبأ السيء هذا نصفاً آخر يجعله حسناً، أو أن له خبايا تكشف أن حقيقته ليست بالسوء الذي تصورتموه!
الإيجابية القرآنية في استقبال الأنباء تهدئ النفس وتجعلنا نتصرف بإيجابية تامة، وحكمة تحفظنا من أن نتسرع بردة فعل نندم عليها، ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، يعلمنا القرآن الكريم أن نتعامل مع الحقائق فقط وأن نصف الخبر.. خبر كاذب.

نشر المقال في شبكة راصد بتاريخ 16/7/2013

الاثنين، 24 يونيو 2013

تنبه القلب - موقف




تذكر إحدى الأمهات التي كانت ترافق طفلها في المستشفى لإصابته بأحد الأمراض،أنها أوقفت الممرضة حين شرعت في حقن ابنها بإبرة الدواء، قائلة لها:إن هذه الجرعة غير صحيحة،ردت الممرضة قائلة بأن هذه الجرعة هي طبقاً لوصفة الاستشاري المتابع،لكن الأم أصرت على موقفها طالبة من الممرضة أن تراجع الدكتور قبل حقن ابنها،رجعت الممرضة بعد حين ومعها عدد من الطاقم الطبي برفقة الدكتورالمتابع يشكرون الأم على تنبهها لهذا الموقف لأن موقفها أنقذ ابنها من موت محتم.تعلق الأم على الموقف: أنا لا أعلم المقدار الدقيق الذي يجب أن يعطى لابني ولكنني من خلال ملاحظاتي له في هذا المرض أدركت بأن تلك الجرعة مضاعفة وقد تؤدي به إلى الموت.هنا نحن أمام مختصة (ممرضة) تعاملت مع أرقام،وأخرى غير مختصة (أم) لم تغمض عينيها لأن من هو أمامها مختص لايمكن نقاشه.

الأحد، 16 يونيو 2013

عندما يتحول المعلم إلى تحفة !


حلمي العلق
حلمي العلق

يواصل المعلمون في المراحل التعليمية الثلاث دوامهم الرسمي ثلاثة أسابيع إضافية، على الرغم من انتهائهم من جميع المهام المتعلقة بالطلاب. سيكون لحضور المعلمين في بعض المدارس التي تطبق امتحانات الدور الثاني ضرورة لإتمام أعمالهم، ولكن سيحضر معلمو المرحلة الابتدائية والثانويات المطورة لتعبئة كراسيهم ومكاتبهم الفارهة دون معنى.
تواصل المؤسسات التربوية إصدار قرارات لا معنى لها سوى الخوف من التغيير، وسيكون على المعلم – حامل شعلة الفكر- أن يقوم بأشياء ليست مقنعة. قد يكون لهذا الحضور سبب في سالف العصر والأوان لإتمام امتحانات الدور الثاني، وقبل أن يدخل الحاسب الآلي للمدارس حين كان المعلمون يقضون الساعات في تبييض درجات الطلاب في صحائف وسجلات ألغاها عصر طابعة الليزر. وبقاء المعلم في دوام هذه الفترة وحتى بعد اندثار كل تلك الأعمال الكتابية، حفاظاً على الإرث التقليدي في أن يبقى المعلم لفترة أطول من الطالب.
وسيبدي عدد من مديري المدارس تخوفهم من تأخر المعلم أو عدم وجوده خلال هذه الفترة خوفاً من أن تشوب سيرته وسيرة مدرسته أمام مشرفيه شائبة عدم التقيد بالنظام، أو أن تقل صورته أمامهم في كونه المدير القادر على تطبيق ما ليس للمعلمين به قناعة، وإلزامهم بنظام لا معنى له. وستتفاقم المشكلة بالنسبة للمعلمين في المناطق البعيدة عن أماكن سكنهم.
في بعض الدول وحتى العربية منها بدأت وزارات التعليم إعطاء إدارات المدارس صلاحيات تصل حتى اختيار المناهج التي ستقوم بتعليمها، أما نحن ما زلنا هنا في مركزية شديدة يقاس نجاح إدارة أي مدرسة بمدى تطبيق النظام، وليس بمدى تحقيق الأهداف المرجوة.
النظام وسيلة وليس هدفاً، وعندما نحوله إلى هدف في حد ذاته نسلب مدارسنا روح القناعة والفهم، لنحول المعلمين إلى مؤدين ومطبقي نظام لا مبدعين قانعين ومقتنعين بما يقومون به.
في الأسابيع الثلاثة القادمة ستتحول المدارس إلى مطاعم للفول والعدس، وسيتحول المعلم إلى تحفة يتفرج عليها المشرفون ويتباهى مديرو المدارس بالحفاظ عليها في صناديق زجاجية بابتسامة محنطة لفترة أطول.

الأربعاء، 5 يونيو 2013

الأنظمة الأخلاقية في المؤسسات التربوية


تفرض المسألة الأخلاقية والثقافية نفسها في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فهي حاضنة لكل ما هو جديد، وابتعاد أصحاب الرأي والفكر والمؤثرين الفعليين عن ساحتها أو عدم اعترافهم بها سيوسع الهوة بين الجيل الجديد والجيل القديم بما يحمل من مبادئ وقيم.
كل شيء بالنسبة للجيل الجديد بات يظهر على حقيقته، والصورة النمطية التي تحوطها هالة القداسة وهي معلقة في برجها العاجي لم تعد كذلك، كل شيء بات يكتسب قيمته من الحقيقة التي يحملها وليس من الصورة النمطية التي فرضها تكرار الصورة ووحدتها.
إذا كان الكاتب كاتباً مرموقاً في يوم من الأيام لأن صحيفة ما قد أفردت له عموداً، فالكل اليوم يكتب ويمتلك المساحة الكافية للتعبير والانتشار، وإذا كان الممثل ممثلاً مشهوراً لأنه صعد على خشبات المسرح واستفرد بعدسات السينما، ففي أقل وسيلة تواصل عدسة صغيرة، تمثل وتتحدث وتنشر. فلم يعد الشاب ذلك الإنسان القلق من العدسة أو التصوير أو النشر. وبات الفرز شديداً والانتقاد لاذعاً لكل شيء ولكل هفوة تصدر من هذا أو ذاك.تهذيب كل ذلك لا يمكن أن يكون بالمنع، فقد بات المنع ممنوعاً، طالب الثانوية يسخر من ضحالة المعلومات التي يوفرها منهج الحاسب الآلي، فلديه مزيد، ويهزأ من القانون الذي يمنعه من اصطحاب الجوال، فلديه ألف وسيلة ووسيلة لإخفائه، إنه ينتظر من يساير فيه هذا الاندفاع نحو هذا الفضاء لا من يقف أمامه، وجود المنع وغياب الأنظمة الأخلاقية والاجتماعية بالشكل المقبول في المؤسسات التربوية لكل ما هو جديد هو ما يجعل من الانفلات أمراً حتمياً.

التربية كلمة مفقودة الفاعلية في المؤسسات التي تندرج تحت مسمى (التربية والتعليم)، التربية لا تعني في عصرنا الراهن تزويد المتعلم بتعاريف الكلمات الأخلاقية والدينية بقدر ما هو تقنين ووضع الأنظمة الأخلاقية لكل ما هو جديد وبما يتوافق مع قناعته العقلية والفطرية، بالتعليم والتثقيف وبشتى الوسائل الجاذبة.

http://www.alsharq.net.sa/2013/06/05/857941

http://www.sauress.com/alsharq/857941

الجمعة، 31 مايو 2013

كيف نعيد لشهادة الثانوية قميتها؟




توجه الطالب لمركز متخصص ومستقل لإجراء اختبار في مادة علمية ما يجعل لديه الدافعية للتحصيل العلمي وتحقيق المهارات العلمية من المنهج ومن معلم المادة أكثر منه لو كانت الاختبارات معدة من قبل معلم المادة ومقامه في نفس المبنى الذي اعتاد على ارتياده في عامه الدراسي. ومن شأن هذا الأسلوب أن يعطي المعلم مكانته الحقيقية في كونه مصدراً للعلم ومساعداً للطالب في تجاوز مراحله الدراسية لا مصدراً للدرجات وجسراً لعبور المرحلة التعليمية بأي وسيلة كانت.
اختبار الطالب لما يسمّى (بالتحصيلي) الذي يتم فيه اختبار المتخرج من المرحلة الثانوية في المواد العلمية الأساسية وفي المراحل الثانوية الثلاث، يجعل من الاختبارات المقامة في المدارس الثانوية عبثاً لا طائل منه.
ولكي تكتسب شهادة الثانوية القيمة التي أضاعتها بسبب تركيز اهتمام الجامعات في قبولها للطلبة على الاختبارات التحصيلية، لابد من إيجاد عدد من المراكز المتخصصة للاختبارات ذات معايير موحدة في كل قطاع تعليمي لتغطية عدد من المدارس المتقاربة جغرافياً فيما بينها، يكون دورها الإعداد الجيد للاختبارات وبصورة نموذجية تلائم مستوى الطلاب، وذلك من خلال استقطاب معلمي القطاع المتمرسين في المادة، وتتوافر لهذه المراكز الأدوات والأجهزة اللازمة مثل آلات التصوير ذات الأداء العالي، وأجهزة التصحيح الآلي ذات السرعة العالية والدقة المتناهية.
ويمكن شغل أفنية بعض المدارس التي لا يستفاد منها فعلياً بإنشاء هذه المراكز الدائمة والمتخصصة وبتصاميم هندسية تلائم الحاجة الفعلية للغرض الذي أنشئت من أجله. ويمكن الاستفادة منها في بقية العام الدراسي كقاعات للمحاضرات التعليمية والتثقيفية والأنشطة اللامنهجية لطلاب المدارس الذين يغطيهم المركز، وكبديل عن الساحات المدرسية والصالات الرياضية غير المهيأة لتلك الأنشطة.
وجود مثل هذه المراكز وبإدارات مستقلة وطواقم منتخبة لغرض الاختبارات، يجعل منها جهة ذات مسؤولية يمكن تقييم أدائها ومن ثم تطويرها، وعلاوة على أنها ستقلل من إرباك المدارس في فترة الاختبارات، فإنها ستجعل من نتائج اختباراتها قيمة حقيقية ومصداقية معتبرة لدى الجامعات ، وستعد بديلاً حقيقياً عن الاختبارات التحصيلية التي ترهق الطالب وتشتته بين نارين: نار اختبارات الثانوية ونار الاختبارات التحصيلية.


الثلاثاء، 5 مارس 2013