استوقفتني المساءلة الربانية في سورة المائدة لنبي الله عيسى في يوم القيامة ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؟، وجاءت تكملة الآية برد نبي الله عيسى : ﴿إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾. استوقفتني هذه المساءلة الربانية لأنه سبحانه وتعالى غني عنها فهو علام الغيوب ومع ذلك أقامها، وفي شؤون حياتنا اليومية يغيب عنا سلوك الاستيضاح والاستفسار مع أننا بأمس الحاجة إليه.
قد يزعجنا نصف الخبر الذي يحمل سوءاً حين يتناهى إلى أسماعنا، ونتخذ الموقف السلبي تجاه البعض قبل أن نكمل نصفه الآخر، بالتحقق أو بسؤال استيضاح. تنتابنا الريبة فور وصول الأنباء المقتضبة، ونترك العنان لمخيلتنا لاستكمال أحداثها قبل أن نستفسر عنها من أصحابها ومن مصادرها الحقيقية، فتطير عقولنا نحو المجهول ونعتمد الظن بدلاً من اليقين. وهذا خلاف لما يعلمنا إياه خلق القرآن وآدابه في المعاملات.
عندما تنطلق ردود الأفعال على أساس الظن، وبناءً على تصورات تنشئها أخبار ظنية وغير مكتملة، يتسبب ذلك في فساد اجتماعي كبير، إذ تحدث القطيعة وتتورم مفاصل العلاقات الاجتماعية بلا أسباب حقيقية.
خلق الاستيضاح وثقافة التساؤل خلق قرآني أصيل، فهو يحفظ العلاقات ويرمم ما تفسده عواصف الأخبار المبتورة والمثيرة للشك والريبة. يحثنا القرآن على وقف سلبية التفكير فيقول مستنكراً للظانين ظن السوء ﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾، ويعاتب المؤمنين في حادثة الإفك قائلاً ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ تستنكر الآية قائلة: لماذا يجنح بكم التصور إلى سوء الظن ببعضكم وقتما يردكم النبأ السيء؟ لربما كان خاطئاً! أو أن لنصف النبأ السيء هذا نصفاً آخر يجعله حسناً، أو أن له خبايا تكشف أن حقيقته ليست بالسوء الذي تصورتموه!
الإيجابية القرآنية في استقبال الأنباء تهدئ النفس وتجعلنا نتصرف بإيجابية تامة، وحكمة تحفظنا من أن نتسرع بردة فعل نندم عليها، ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، يعلمنا القرآن الكريم أن نتعامل مع الحقائق فقط وأن نصف الخبر.. خبر كاذب.
نشر المقال في شبكة راصد بتاريخ 16/7/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق