الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

هل عندكم سلطان بهذا؟

كتاب الله رسالة سماوية نقية من شوائب الإنسان وتدخلاته وبه سنحاسب يوم القيامة، ولا ينبغي للمؤمن أن تنحرف بوصلته عن هذا الثقل الأكبر ، هكذا تشير كثير من الآيات الشريفة وهذا هو المنطق البسيط الذي يفهمه العقل المتحرر. وقد تناول القرآن في غير مرة ضرورة تحصين  الفرد والمجتمع بالفكر الممانع لكل دخيل على الأصل بالسؤال تارة والتمحيص تارات أخرى، ويضرب لذلك الأمثال في سور شتى وقصص مختلفة، منها ما ورد في سورة الصافات حين عالجت الآيات ما آل إليه الوضع الديني في قريش من عبادة الملائكة وتسميتهم بأسماء الأنثى. فقد استنكرت الآيات ذلك المعتقد وعالجته بنقاش هادئ بالارتكاز على ركيزتين: هما السؤال العقلي المنطقي المثير الممحص والفاحص أولاً، والسؤال عن مصدر العقيدة ثانياً.
في الجانب العقلي تأمر سورة الصافات في آية (149) المصطفى (ص) أن يرفع الفتوى إلى أصحاب الاختصاص المدعين لهذه العقيدة ليتأملها أولو الألباب (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ (*) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (*) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (*) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (*) أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (*) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(1) ؟ لأن هذه التسؤالات تعيد للإنسان توازنه بعد أن أفقده إياه التيار الجارف، ويعصف بالتراب الذي غطى العقل بطبقات من المقولات الزائفة، فهم بهذه الأحكام قد أنزلوا قدر الله سبحانه ونسبوا إليه ما لا يليق من التمييز بين الجنسين الذكر والأنثى وكلاهما مخلوق، ونسبوا إليه ما يكرهون وهو الأنثى "فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون"؟ وهذه التساؤلات تحفز العقل بعد أن أصيب بالكسل أو العطب الكامل تأثراً بالهوى والموروث ومقولات أصحاب الأسماء العالية في المجتمع القرشي آنذاك، والأحكام الباطلة تعمل على تغيير الموازين وتعبث في المقادير، ومن شأن الأسئلة المنطقية العاصفة للعاطفة أن تعيد الإنسان لرشده وإلى جادة الصواب، والعقل يمكنه استشعار الخلل إن أطلقت النفس حريته وحفزه القلب السليم للعمل بموضوعية.
أما الركيزة الثانية والمهمة فهو السؤال عن مصدر الحكم؟ حيث تقول الآية ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ (*) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (*) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (157))(2) التذكر في الدين هو الرجوع للذكر وهو الكتاب السماوي بإلإمتثال لأوامره الواردة فيه، وكتاب الله العزيز مصحح للانحراف ومانع للانجراف عن جادة القيم الأساسية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى. الآية الشريفة تعبّر عن أحكام الكتاب السماوي بالسلطان المبين، والسلطان هو الذي يملك السلطة على الآخرين فلا يملكون الرد أو المخالفة، والقرآن يفرض هذه النظرة لكلام الله،  أي أن كلام الله يجب أن يكون سلطاناً على من يسمعه ومن يصل إليه ، وما عدا ذلك فلا يملك السلطة. و القول يأخذ مكانته وسلطته من مكانة وسلطة قائله، والله عز وجل هو الخالق المالك ويحكم في الدين على مخلوقاته، وإذا حكم فلا مبدّل ولا معقب لحكمه. من هنا فإن الآية تتساءل عن الوثيقة الرسمية التي اُعتمدت في أخذ هذه العقيدة وهذا الحكم، وتكمل تساؤلها بالقول فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين لتعطي إجابة دقيقة داخل التساؤل نفسه، وهو أن الحكم إنما يؤخذ من الكتاب السماوي وليس من التيارات الجارفة ولا الموروثات المتعصبة والمضيعة للمقادير والمُخسرة للموازين والمجمدة للعقل الذي وهب للإنسان من أجل الحرية والتفكير.
إذاً فالآية تعطي فكراً ممانعاً يقارع الباطل في كل زمان، ويصحح المسار في كل مكان، وحين نزل القرآن على قريش وأهل الكتاب إنما قرع الأجراس لإنعاش القلب وإعادة العقل المخطوف لصاحبه ليأخذ قراره بنفسه. وليعيد لكلام الله مكانته وسلطانه المنزوع منه، فمتى ما عاد العقل لصاحبه، وأعيدت مكانة الكتاب السماوي إلى مكانته الحقيقية،  اكتملت عناصر الحصانة وبني الجدار الممانع الذي يقارع كل دخيل ، ِويسقط بنيان الضلال من القواعد بسؤال واحد .. مجرد سؤال .. (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(3)؟!
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الصافات  (149)-(154)
(2) الصافات (155)-(157)
      (3) يونس (68)


الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

فهم القرآن أزمة تقدير لا تفكير

لم يكن مثلُ "البعوضة" مثلاً عابراً في ثنايا سورة البقرة وفي سياق الحديث عن مرضى القلوب، بل إنه مثل يؤسس لمفهوم هام في التعامل مع الكتاب على مبدأ فهم الإنسان لقدره أمام الخالق. إن قضية فهم الإنسان لقدره تأخذ أبعادها في واقع الإيمان كما يشير إلى ذلك القرآن في أكثر من موضع وبأكثر من صورة، وآية "مثل البعوضة" تبين المقام الحقيقي الذي يجب على المؤمن أن يأخذه أمام الكتاب السماوي، وترشد إلى بداية هامة لفهم الكتاب.
(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)(1)
مثل "البعوضة" في بداية سورة البقرة يقول للإنسان إن مثل قدرك أمام الله سبحانه وتعالى هو مثل البعوضة، وبهذا فإن الآية تقر حقيقة الضعف والصغر والهوان الذي يجب أن يَمثل به الإنسان أمام ربه وبالتالي أمام الكتاب، و تُنزل الراغب في الإيمان بالكتاب منزلة الخشوع ، فيسأل الكتاب باستصغار و يناقشه بخضوع، وبهذه الرؤية المليئة بالعدم و الاستصغار أمام الخالق العظيم، تتأسس علاقة المؤمن بالكتاب السماوي.
حقيقة البشر أنهم لا يتعاملون بمنطق واحد ولا برؤية واحدة، بل برؤى مختلفة ومتباينة في كثير من الأحيان، وتتشكل تلك الرؤى لدى كل جماعة وكل إنسان من خلال نظرته لنفسه وللحياة، وعلى أساس تلك الرؤى و تلك التوجهات يتخذ الإنسان المنطق الذي  يلائمه، ومن ثم ينعكس ذلك المنطق منهجيةً يسير على أساسها في ميدان الحياة، ويصبح لدى كل جماعة بناءً لتلك الرؤى تبريراتها في حركتها في شتى التفاصيل. يعرض لنا القرآن الكريم وفي أكثر من سورة  تلك الرؤى المختلفة في الدين، فهناك منطق الآمن من العقاب المطمئن الذي أرفع من شأن نفسه وطائفته وأضاع قدره الحقيقي أمام الله، وفي المقابل هناك منطق الضعيف الخائف الذي أدرك حجمه الحقيقي أمام خالقه.  وبناءً على هذين المنطقين المختلفين تتكون منهجيتان مختلفتان، فإما أن تتكون منهجية الثبات على الموروث والتمسك بما كان عليه الآباء على أساس أن الطائفة لها حظوة وخصوصية عند الله، أو تتكون منهجية الحركة والتغيير على أساس البحث عن الحقيقة والبحث عن سبل النجاة أمام خالق يتعامل مع البشر بالقسط دون تمييز أو محاباة، وعلى أساس من النظام والقانون العادل للمحسن إن أحسن، وللمسيء إن أساء.
ما لم تلامس قلب الإنسان الحقائق الربانية عن تكوينه وقدره الحقيقي تستدير بوصلة التفكير لديه إلى الجهة والمنطق الذي تفرضه قوة أحاسيسه الداخلية عن اعتباراته لذاته وطائفته وللأشياء من حوله. وهنا منهجيتان متباينتان وإن تشابه مظهرهما، ومتباعدتان وإن تطابقت أفعالهما، فالمنهجية الأولى والتي نبعت من غياب فهم الإنسان لقدره الحقيقي أمام الخالق توظّف كل شيء من أجل الأنا بشتى صورها، أما المنهجية الثانية فإنها توظف كل شيء وحتى الأنا من أجل الخالق ومن أجل الحقيقة لا سواها. وعليه يكون الاختلاف في التعامل مع الكتاب السماوي، فهو إما أن يُوظَّف لصالح الجماعة التي أعلت  نفسها وأعزت مكانتها واغترت بنفسها أمام الله، أو أن يوضع فوق الرؤوس ليعلو على كل ما هو عال من الاعتبارات الاجتماعية و الإرثية على أساس من العبودية التامة و التسليم الحقيقي لله. إما أن يؤخذ من الكتاب ما تهواه الأنفس وحسب، فيُقتطع منه كل ما يشبه أنه رفعة لمكانة الجماعة بأشباه الأدلة وبلوي أعناق الآيات لصالح الذات، وإما أن يُؤمن بالكتاب كله فتتوطن النفوس للتغيير والحركة والتبديل نحو الحق مهما كانت النتائج.
من خلال إدراكنا لأهمية موضوع قدر الإنسان هذا، يمكننا أن نفهم أصل المشكلة في فهم الكتاب السماوي في كونها في معرفة التقدير لا في قوة التفكير، فالتفكير إنما يدور في فلك المنهجية والمنطق الذي وقع فيه الإنسان واعتقده في ضميره، والعقل خادم الضمير. ولا شك في أنه لاعتبارات الجماعة لنفسها تأثير في التعامل مع الكتاب مالم تصحح المقادير، بل إن لتلك الاعتبارات بالغ الأثر على سلامة القلب وقوة إدراكه للحقائق الربانية إذ إن لها الحضور الأكبر في النفس ما لم تقارع باعتبار أكبر وهو قيمة الكتاب ومكانته، فبتلك المكانة وبذلك السمو تؤخذ حقائق الكتاب وأحكامه بصفاء دون تأثير وتشويش من تركة (الأنا) الثقيلة المتمثلة في موروث الآباء وسنة الأولين. وتتخذ هذه المشكلة عدة صور، فهي بلغة التقدير بين طرفين هما الأنا و الإله، وبلغة النصوص الدينية بين الموروث و الكتاب، وبلغة المنهجية بين التصحيح و التحجر. وبهذا التسلسل يتضح أن أصل مشكلة التحجر في الدين هو إعلاء الموروث كونه مقيداً للحركة وسالباً للحريات، وأصل مشكلة إعلاء الموروث هو سوء تقدير الإنسان لنفسه وفئته التي ينتمي إليها وظنه أنه على صواب وأنه في الفرقة الناجية فيتمسك بكل ما تحمله من خير وشر في موروثاتها. وبهذا التسلسل أيضاً يتضح أن للحركة والقدرة على التصحيح في الدين أصلاً مرجعياً وهو الكتاب الذي يحمّل الفرد مسؤوليته في القرار، ويضعه أمام خيار أنه لا نجاة للإنسان إلا بميزان الحق بتجسيد آيات الله البيانات وتفعيلها في الواقع، وأصل اتخاذ الكتاب كمرجعية في الدين يعود إلى أصل آخر وهو فهم القدر الحقيقي لله، لذا تعلو كلمته فوق كل الكلمات ويعلو اعتباره سبحانه فوق كل اعتبار.
إن سورة البقرة المباركة وفي مثلها "مثل البعوضة" تؤسس لمنهجية البحث الموضوعي من خلال وضع الإنسان  في قدره الحقيقي، لأنها تقول ضمناً انظر للمسافة بينك وبين خالقك جيداً واحفظها، وقدّر الله حق قدره بتقدير آياته وإعلائها، واسلك بنفسك طريق نجاة حقيقي باتباع البيّن من آياته إن كنت تؤمن فعلاً بجنة ونار، ولا تك كالذين كفروا وقالوا "ماذا أراد الله بهذا مثلاً " ، (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ)(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  سورة البقرة آية (26)
(2) سورة البقرة آية (27) 

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

هل عندكم سلطان بهذا - سورة الصافات من آية 149 إلى آية 157 - تسجيل صوتي

أولا: دراسة الآيات
توجه الآيات الخطاب للنبي محمد (ص) بأن يتوجه بالاستفتاء إلى المعنيين بعقيدة عبادة الملائكة ليسألهم عدة أسئلة. و يعود امتداد قريش النسبي لنبي الله إبراهيم من فرع إسماعيل ، فهم إذاً بني إسماعيل. ويعود امتدادها الديني لملة إبراهيم الذي بنى البيت وأرسى قواعده مع نبي الله إسماعيل (ع). ولكن قريش التي طال بها الأمد والتي ما جاءها نذير من قبل النبي محمد (ص) انحرفت مع الأيام عن الملة بإدخال عقائد وأحكام ليست في أصل الدين، وعندما جاء النبي محمد (ص) بالقرآن الكريم كان استنكاره على المضاف وليس على المضاف إليه، يعني أن استنكاره كان على الأحكام والعقائد الدخيلة وليس على الأصل الذي كانوا عليه فقد كانوا على ملة إبراهيم، بل إن الله أكد للنبي محمد بأن يلتزم  بملة إبراهيم (ع). ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (1) .
واحدة من تلك الأحكام والعقائد الدخيلة الباطلة التي أضيفت على أصل الملة هو الإعتقاد بالملائكة ، حيث اتخذوا الملائكة شفعاء وتراخوا عن الالتزام بقيم الملة على أساس تلك الشفاعة واعتبروا أن الله خلق الملائكة إناثا وأسموهم تسميات الإناث، وأن الله اتخذهم بنات له سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا، وهذه الآيات في سورة الصافات جاءت لتعارضهم على هذا المعتقد وهي واحدة من آيات كثيرة في القرآن الكريم، والآيات تطرح تساؤلات توجهها لقريش هي :
1-   أنتم تحبون البنين، فهل يصح أن تنسبون لله البنات وتجعلون البنون لكم، فما بالكم لم تنصفوا الله من أنفسكم في هذا الاختيار.
2-   هل شهدتم خلق الله الملائكة حتى تدعوا أنهم إناث، وخلقهم كان في عالم الغيب ؟
3-   "أصطفى البنات على البنين" ؟ "ما لكم كيف تحكمون"؟ وهم مخلوقاته ، وقد أنزلتم الله بهذه المعتقد منزلة لا تليق به فكيف حكمتم بهذا الحكم ؟
4-    " أفلا تذكرون "؟ أي لماذا لا تعودون لذكر وهو الكتاب السماوي وتأخذون منه عقائدكم وأحكامكم؟
5-   "أم لكمن سلطان مبين "؟ "فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين"؟  السلطان المبين هو ما يملك الحق في القرار الواضح البين ولا يملك أحد الرد عليه أو مخالفة ما أمر  به. والآية التالية تبين ماذا يجب أن يكون هذا السلطان فتقول "فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين" أي أن السلطان لا يكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى ومن كتابه العزيز.
ثانياً: ركيزة الحوار في الآيات
ارتكز الحوار على أساسين ، الأساس العقلي والأساس النقلي. في الركيزة الأولى  وهي الأساس العقلي:
من أفعال المعتقدات الباطلة أن تغير المقادير أي أنها تغير من مقدار الله سبحانه وتعالى ، وهنا كانت التساؤلات العقلية المثيرة لمكامن الفطرة التي ترفض أن يقلل من  قدر الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي يدركه القلب وتستشعره النفس، ومن الممكن أن يتراجع عنه الإنسان مالم تقف النفس بعنادها حائلاً عنه عن التراجع عن هذا الباطل ، لذا كانت الأسئلة التالية:
1-   ألكم البنات ولكم البنون؟
2-   أصطفى البنات على البنين مالكم كيف تحكمون؟
في الأساس الثاني كانت التساؤلات حول المصدر الذي نقلت منه العقيدة، والتي تبحث وتأصل للعقيدة من مصدرها الصحيح، فكانت التساؤلات التالية :
1-   "أم خلقنا الملائكة وأنتم شاهدون" أي أن إذا حكمتم على لشيء، فلابد وأن  تكونوا قد شهدتم هذا الشيء بأنفسكم، فهذا هو الطريق الصحيح الأول.
2-   " أم لكم سلطان مبين" أو أن يكون لكم سلطان يقول فلا تردوه، وهو الكتاب السماوي.
ثالثاً : فهم من هذه الآيات
1-   أن الحكم بالغيب لا يكون بالرجم، وإنما يكون بالكتاب السماوي، ولا سلطة لشيء ولا لقول إلا للكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على بني البشر لأنها صادرة من الخالق.
2-   أن حصانة المجتمع والفرد ضد العقائد الدخيلة الفاسدة إنما تأت من وجود شيئين: التفكير الحر والنص الأصلي.
3-    أن العقائد الدخيلة في أي زمان تقلل من قدر الله، وعلاجها يبدأ بإعادة قدر الله سبحانه وتعالى بالتفكير الحر والالتزام بالنص الأصلي.
4-   القرآن الكريم يكرس ثقافة "إن عندكم  من سلطان بهذا"، هي ركيزة أساسية لكل فرد يعالج بها الموجودات الإرثية التي تقع بين يديه، فإن كان لها في سلطانه أصل وإلا ردت، ففي الكتب السماوية العلم الذي يريده الله من الإنسان، فإن رأى مايخالف الكتاب ردها على أساس عدم العلم  بها كما بينت آيات كثيرة (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

وسائط
رابط 1
رابط 2
رابط 3
رابط 4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش البحث:
(1) النحل (123)


(2) العنكبوت (8)

مواضيع ذات صلة 


الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

فهم في آية (85) من سورة البقرة

تتحدث آية (85) من سورة البقرة عن تعامي بني إسرائيل عن أحد أهم الأوامر الربانية التي أمروا بها في الكتاب وهي أن لا يسفكوا دماء بعضهم البعض ولا يخرجوا أحداً من دياره بغير حق. ولكنهم لم يصمدوا بهذا الأمر أمام شهوة العلو والانتقام على الرغم من أنه أُخذ عليهم كميثاق لما له من أهمية ولضرورة الالتزام به.
وبغض النظر عن التفاصيل فإن الآية تناقش مزاحمة قيم ومبادئ - وقد تكون نصوصاً أخرى - للنص الأصلي النازل من رب السماء والذي واثقهم الله به بعد أن رفع فوقهم الطور ليأخذوا ما أوتوا بقوة ثم تولوا إلا قليلاً منهم وهم معرضون. وماهي تلك القيم الدخيلة التي زاحمت قيم العدالة في الكتاب ياترى؟ إنها قيم العلو والاستكبار والنزعة إلى أن يسود المعتقد والفكر الواحد في كل ديارهم! تلك القيم لم تزاحم النص الرباني وحسب بل إنها عمت القلوب عنه، فراحت إحدى طوائف بني إسرائيل تعلو على الأخرى، على الرغم من أن الطائفة الأخرى هي من بني إسرائيل وتؤمن بالتوراة أيضاً وإن يأتوهم أسارى يفادوهم طبقاً للتعاليم، ولكن تفريق الدين أدى إلى الخلاف و الاختلاف في التفاصيل فميّز طائفة أو قبيلة على أخرى.
( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ َتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(1).
والآية تتساءل لماذا تطبقون تعاليم الفدية لهذه الطائفة المعتدى عليها في حال الأسر ولا تطبقون تعاليم منع الاعتداء بالقتل أو الإخراج من الديار؟ أيصدق إيمانكم حين تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟
هذه الآيات التي جاءت عقب الحديث عن قسوة قلوبهم في قصة البقرة، تؤكد أن بني إسرائيل مخالفون لتعاليم الكتاب السماوي، ولا يمثلون بأفعالهم تلك تعاليم التوراة وما أُنزل عليهم، فهم ناقضون لعهودهم ومواثيقهم مع الله، وهي تؤكد أيضاً على براءة الله وكتبه من قتل الإفساد وإخراج الأبرياء من الديار والاعتداء الآثم على الغير، ويرجعهم في التحقق من ذلك إلى شهادتهم بالتوراة " وأنتم تشهدون"، أي أنكم تشهدون بأن الله لم يأمر بهذا بل أمر بالعدل والإحسان  واحترام حقوق الآخرين وممتلكاتهم. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)(2) وفي الآيات بيان مهم آخر وهو أن تعاليم الكتاب لا تُجزأ فنأخذ منها ما يلائم ونستثني منها ما يجافي الأهواء فنؤمن ببعض ونكفر ببعض. وعلى من يتحمل مسؤولية حمل الكتاب أن يتحمل تبعاته، فإما أن يمدد الله أهله بأموال وبنين ويرسل السماء عليهم مدرارا ليأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم إن هم أقاموه وقدروه حق قدره، أو أن يقيموا أهواءهم بدلاً منه وينحرفوا عن بيّن آياته فينالهم نصيبهم من الكتاب بالتمزق والشتات ليذيق بعضهم بأس بعض ويكون مآلهم الخزي في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
(1) سورة البقرة آية (85)
(2) سورة البقرة آية (84) 

مواضيع ذات صلة 

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

أو أشد قسوة

كما أن للمجتمع حصانة ضد الفساد تمنعه منه، فإن لبعض المجتمعات حصانة ضد التغيير للأفضل ومناعة ضد الإيمان بالحقائق الغيبية الربانية. تورد سورة البقرة في الآيات من (75) إلى (79) فريقين من بني إسرائيل في فترة بعثة النبي محمد (ص) كانت تحظى بتلك المناعة وذلك الصمود أمام حقائق القرآن الكريم، فلا ينفذ إلى ظلام قلوبها المنغمسة في العناد شيء من شعاع نوره ولا يبرق في سماء جهلها بارقة من هدى. فهم إما عالم متهتك أو جاهل متنسك وقد صنع هذا النسيج بتركيبته الفولاذية جدار منع أصم لا يقبل النفاذية للنور أبداً. الأول عالم بالكتاب وحقائقه لكنه يعمد لإخفائها والآخر جاهل به مكتف بالأمنيات والتبعية العمياء واثق كل الثقة "عن جهل" بنجاته وخلاصه يوم القيامة. هذان الصنفان كونا تحالف الشر ضد خير القرآن الآتي من السماء السابعة، فتعاضدا من أجل أن لا تقتحم رسالته القلوب وأن لا يمس شيئاً من معتقداتهم الموروثة وأمانيهم الواهمة.

مشكلة الصنف الثاني " الجاهل " أنه اكتفي بالأمنيات، وهي وعود شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان تقضي بنجاة من انتمى إلى الطائفة من العذاب يوم القيامة، سلاحها الجهل مغمورة بأناشيد الغفران وأغنيات النجاة، تأخذ بالظنون ولا تبحث عن حقيقة ماهي عليه من كتاب الله.(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(1) 
أما الصنف الأول "العالم" فمشكلته أنه جنّد نفسه للطائفة وليس للحقيقة، يدافع عنها على أساس الغالب لا المغلوب، فلا يسمح لدليل يدينه أو سلطان يثبت بطلان ماهو عليه، يوجه أسلحته من أجل الغلبة على الآخر بدلاً من أن يجندها ضد عناده وتكبره، فيعتقد أنه لا ينبغي له أن يُهزم أمام أحد حتى لو كان هذا الأحد هو منزّل الكتاب، فلا بأس بالدفاع عن الطائفة وعن الحزب حتى لو كان على حساب النص الرباني الوارد في التوراة التي يؤمن بها أساساً.  (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(2)

أما الآية الشريفة (75) من سورة البقرة (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) في نفس مقطع الآيات فإنها إذ تعارض المؤمنين على رغبتهم وطمعهم أن يؤمن هؤلاء بالرسالة فهي تعارض أن يكون تعاطيهم مع الحقيقة بالسماع والتحريف هو سلوك إيمان، فالإيمان موضوعي مبني على العلم والمعرفة، لا انحيازي ولا تحزبي يأخذ بالحقائق ويعمل بها على أساس تقييم ما قيل لا النظر إلى من قال. في حين أن ما عمد إليه فريق العلماء منهم  - وإن تظاهروا مرغمين بالإيمان بالرسالة في بداية الأمر - هو عمل دؤوب على إضعاف ما جاء به النبي محمد (ص) وتزييف الحقائق الواردة في نصوص التوراة من أجل أن لا يقوى موقف النبي وحتى لا تتأكد حقيقة أنه مصدق لما معهم وأنه متمم لنور الرسالات  التي سبقته، فكتموا حقائق التوراة، وحرّفوا بعض كلماته وكتبوا التوراة بأيديهم محرفةً خلافاً لما جاءت به وقدموها للمؤمنين حتى تكون مصدر شك وإضعاف لرسالة  النبي، في الوقت الذي كان لزاماً عليهم أن يشهدوا بصدق دعوته كونهم أهل كتاب وأهل توراة

كلا الصنفين من بني إسرائيل " العالم والجاهل" مغمور في سكرة الأمنيات بالخلاص من النار على أساس "أمل بلا عمل"، (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(3) والقرآن يواجه تلك العقائد بالسؤال: أين هو الدليل؟ أين هو السلطان؟ أين هو العهد الذي عهده الله إليكم بهذه العقيدة؟ فهذه العقيدة باطلة ومفسدة! باطلة فلا أساس لها في التوراة وهم أهل التوراة، ومفسدة للعالم والجاهل، فالعالم يُمنّي نفسه بالنجاة فلا يرى عظم ما يفعله حين يرتكب جريمة الكذب على الله وتحريف التوراة، والجاهل يكتفي بالإنتشاء بها، فتُغنيه عن جهد التفكر والتحقق من الكتاب السماوي الذي يحمله وينتسب إليه ويجهله.
الأمنية والأمل عقيدة باطلة يجابهها القرآن بعقيدة العمل وهي عهد الله لبني البشر بأنه الرب القائم بالقسط (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (*) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(4) وبمقدار ما يلتزم المؤمن بمواثيقه وعهوده مع الله في الامتثال بتلك البنود بمقدار ما يكون حبل نجاته أوثق وأقوى يوم القيامة لا بالآمال والأمنيات

كم يسعى الإنسان في بعض الأحيان بذكاء نحو هلاكه، يدفعه إلى ذلك كبرياؤه وأنفته وحبه للعلو في الأرض، فيجاهد ويستنفذ وسائل المكر والخديعة من أجل أن تبقى مكانته التي رسمتها أوهامه كما هي. فيصنع جدار تحصين له ولمجتمعه ولكن ضد نور الهدى والمعرفة. ليس الجهل وحده سلاح الشياطين، العلم والمعرفة سلاح آخر، فالعلم ليس مقتصراً على القرطاس والذكاء فحسب، إنه بحاجة لحكمة ومعرفة الإنسان لقدر نفسه حتى يتحرك  بالعلم نحو الصلاح والفلاح  بدلاً من أن يتحرك به لإعلاء نفسه وطائفته على حساب الحقائق وعلى حساب نجاته يوم القيامة. أما الجهل المتعمد فيجعل من الإنسان جثة متنفسة، تفستفزها الشياطين بالصوت، فتنعق وراء كل ناعق ولا تستضيء بنور العلم من ظلمات الجهل والضلال.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية (78)
(2) سورة البقرة آية (76)
(3) سورة البقرة آية (80)
(4) سورة البقرة آية (81)،(82)

صحيفة الوطن العمانية - ص 21

مواضيع ذات صلة

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

التساؤلات الخمسة في سورة القلم من آية (35) إلى آية (47) - تسجيل صوتي

تطرح سورة القلم في الآيات من (35) إلى (47) خمس تساؤلات حول من يختار له عقيدة من خارج الكتاب المنزل، المقطع الصوتي التالي يتناول هذه التساؤلات.
المدة : 16 د
تقديم : حلمي العلق

وسائط
رابط 1
رابط 2
رابط 3
رابط 4

خاطرة في قصة البقرة

يورد القرآن الكريم في بدايات سورة البقرة مشكلة وقع فيها بنو إسرائيل في تعاملهم مع أوامر الله حين أمرهم نبي الله موسى بذبح بقرة، وحضور هذه الحادثة في بداية الكتاب لها دلالتها وتأثيرها على المؤمن الراغب في فهم آياته وتطبيق أوامره والاستسلام  لها، بحيث ينطلق في الأمر على أنه خير يجب المسارعة فيه، لا على أنه لغز يجب كشف أسراره أو البحث في تفاصيله.

وبغض النظر عن التفاصيل التي تحكيها قصة بقرة بني إسرائيل، إلا أن أحد معانيها يمكن اختزاله في رسم العلاقة العكسية بين سرعة تنفيذ الأمر وبين كثرة الأسئلة الفاحصة للأمر على أنهما على طرفي نقيض، فمن يسارع في التنفيذ يطبق المستوى الأول من الأمر والفهم ولايبحث في طياته عن التفاصيل المنهكة والمعطلة. والعكس صحيح فالبحث عن التفاصيل هو وسيلة هروب عن التنفيذ السريع والمباشر. وقد كان الأمر في قضية بني إسرائيل في بدايته كافياً محققاً للمطلب، ولو نُفذ لكان مقبولاً حتى لو لم تكن البقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، ولكنهم استقبلوا الأمر ببساطته بقولهم " أتتخذنا هزواً" ، وحين تعقد الأمر قالوا " الآن جئت بالحق"، وهكذا فالبساطة لا تعني غير التفاهة بالنسبة لهم أما التعقيد فيعني لهم أنه أمر جاد.
مستقبل الأمر يسارع لأنه عبد يقبل أن يتجاوز الأمر مكانته العقلية، لكن ما يبدو واضحاً في كونها إحدى مشاكل الإنسان هي البحث عن ذاته مع الله، فلا يقبل أن ينفذ حتى يستظهر الأمر بتفاصيل مقنعة تشبع مكانته وتغذي لهفته وراء الأسرار. وما تبينه الآيات أن هذا السعي يقوده إلى التعقيد ويتدرج به من السهولة والسعة إلى العسر والضيق، وينقله من "أي بقرة" إلى بقرة محددة ذات صفات نادرة الوجود يصعب العثور عليها.
وتزداد مشكلة بني إسرائيل وضوحاً حين نرى ردهم "الآن جئت بالحق" فبهذا تتجلى مشكلة الأوامر الربانية الموجهة للإنسان على أساس "هكذا يأمر الله .. وهكذا يريدها الإنسان" فلا يراد للأمر الديني أن يكون عادياً سهلاً ميسراً بسيطاً لأن الدين في نظر الإنسان ملازم للتعقيد وأوامره يجب أن تكون واضحة بكل التفاصيل.
قصة البقرة هذه لا تنفي أن يكون الإنسان واعياً، ولكنها تنفي أن يكون السبيل لذلك الوعي هو كثرة السؤال وتقوده إلى الوسيلة الأمثل لإدراك حقيقة أوامر الله بسرعة التنفيذ لا بكثرة السؤال، بتمثل العبودية التامة لله لا بمساءلة الله جل في علاه والتباطؤ عن التنفيذ "فذبحوها وما كادوا يفعلون".
أخذت سورة البقرة والتي هي أكبر سورة في القرآن الكريم اسمها من هذه الحادثة، والحادثة ليست مجرد قصة إنها منهاج تفكير وسلوك نابع من سوء تقدير الإنسان لنفسه وبالتالي لربه. فهل لهذه الحادثة حضورها عند أهل القرآن الكريم؟ وخصوصاً أن مضامين السورة تخاطب بني إسماعيل ضمناً بعد أن أشارت ووجهت الخطاب مباشرة إلى أحد فرعي الملة من أبناء إبراهيم وأبناء إسحاق ويعقوب حين قالت : " يابني إسرائيل"، فحين يخطئ ذاك الفرع في تعامله مع أوامر الله المباشرة في حادثة البقرة ثم يقسو قلبه يخطيء في تعامله مع الكتاب السماوي بالمثل، وحين يخطئ الأولون فعلى التالين الذين يستلمون الكتاب من بعد ما ضيعه السابقون أن يحذروا من مطبات النفس التي لا عاصم لأحد منها إلا بالتقوى وتمام العبودية لله.
ــــــــــــــــــــــ
صحيفة الوطن العمانية - ص 21
جهينة الإخبارية

مواضيع ذات صلة 
سورة البقرة من آية 67 إلى آية 74

الاثنين، 31 أكتوبر 2016

الطبقية في الدين وتأسيس الفساد

إن المظهر الحقيقي والنتيجة الطبيعية لشريعة الله الحقة هي الصلاح في الأرض، وهذا الصلاح هو ما تتوق له النفوس وتنجذب له القلوب، فكيف يكون نتاج الدين فساداً تشمئز منه النفوس وتنفر منه القلوب؟ إن الفساد الديني هو أحد مخرجات مرضى القلوب أصحاب الإيمان المزيف الذين مزجوا بين الحق والباطل، فأدخلوا في الدين ما ليس فيه فتكدر صفاؤه بشوائب الأهواء.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ سورة البقرة «11»
حاسة استشعار جمال الحقيقة فاعلة في القلوب السليمة المؤمنة بالكتاب كله، لكنها مفقودة مغطاة ومحجوبة في القلوب المريضة، وأحد الأسباب التي أفقدت هذه القلوب هذه الحاسة الهامة هي الندية التي جُعلت في الدين ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ سورة البقرة «22»، والندية تنشأ في أجواء من الطبقية الدينية والتي تصنف المجتمع إلى فئات، وهذه الطبقية ما نتجت إلا من اختلال في فهم الإنسان لقدره.
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ سورة البقرة «26»، المثل يعيه المؤمن ويفهمه، ولكن الكافر يستنكر قائلاً ﴿ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ هذا المثل يختزل فهم الإنسان لحقيقة نفسه، فالمؤمن يدرك قدره الحقيقي أمام الله سبحانه وتعالى، ويعي أن مقدار البعوضة الذي هو مقدار هين بالنسبة لبقية المخلوقات، هو ذاته مقدار أي مخلوق آخر مهما علا شأنه أمام الخالق، أما الإنسان الذي يعيش الطبقية بشتى أشكالها لا يستوعب هذا المثل لأنه قد جعل لنفسه قدراً مختلفاً عن بقية المخلوقات اغتراراً بنفسه واغتراراً بالله، واختلال القدر في الذات يؤثر على اختلال مقادير بعض البشر الذين أوصلهم الإنسان إلى مرتبة تخرجهم عن الطبيعة البشرية. فإذا كان الحياء يخالج النفس في أن تقول أن قدر الإنسان هو نفسه قدر أصغر وأحقر مخلوق كالبعوضة فذاك لأنه قد جعل لبعض البشر مكانة أعلى من حقيقتهم البشرية بالغلو والأوهام والعقائد الفاسدة.
طاعة الكلمة هي أساس العبودية في الدين، وإذا أخل المؤمن بالقدر الحقيقي للإنسان وأخرج من يعتقد في علوهم عن طبيعتهم البشرية فأعلى مكاناتهم وجعل لهم الكلمة العليا في الطاعة والانصياع في قبال كلمة الله البينة في كتابه، تكون لهم العبودية من دون الله، وهنا تبرز الندية التي هي مربط فرس الفساد في الأرض والذي أشارت إليه آية ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ سورة البقرة «11»، وتتجلى الطبقية التي تحوّل المجتمع إلى طبقتين في الدين، تابع ومتبوع، أما المتبوع فيرى أحقيته في التشريع في الدين والأمر بما لم يأمر الله، وأما التابع فيرى وجوب الإتباع دون تمحيص، بل ويرى الرشد في اتباع ذوي الأسماء القوية وأن السفاهة هي في اتباع الضعفاء الذين لا مكانة ولا حظوة لهم، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ألا إنهم هم السفهاء لأن السفاهة الحقيقية هي تخلي الإنسان عن إدارة شؤون نفسه لغيره، والرشد الحقيقي هو تحمل الإنسان لمسؤولية نفسه واتباعه للحقيقة دون افتتان بالأسماء الدنيوية والألقاب التي تغطي العقول وتسيطر عليها.
تتضح السفاهة حين يفقد مريض القلب حاسة استشعار الصلاح، وتموت لديه كراهية الفساد، بل قد يصبح بعض الفساد محبباً إليه لأنه متلبس بالدين وما هو من الدين في شيء، وذاك حين تمكن المتبَعون من تلبيس الحق بالباطل وترويجه على أنه من عند الله وما هو من عند الله، في ظل هجران تام للتابعين لآيات الله البينات في كتابه. بينما تكون تلك الحاسة قوية بفطرتها لدى عموم الناس الذين لم تقيد رقابهم أغلال الندية ولم تغطي عيونهم عن رؤية حقائق الكتاب السماوي، لذا ترى أولئك الذين هم بسطاء مغفلين في نظر المرضى هم أقرب لتشرب حقائق الكتاب أكثر من المعوقين فكرياً والمقلوبة أفكارهم رأساً على عقب بسبب الندية والأمراض المختلفة، ولهذا يقال لمرضى القلوب ﴿آمنوا كما آمن الناس.
يقال لمرضى القلوب ﴿لا تفسدوا في الأرض فيكون ردهم إنما نحن مصلحون، ولأن الله زادهم في غيهم غياً وفي مرضهم مرضاً انقلبت بهم الصورة فأصبحوا يرون أنفسهم أصحاء راشدين في قبال ضعفاء هم أراذل القوم، ويظنون أنهم بترويج الأنداد والتعلق بهم إنما هم يصلحون. إن آية ﴿ما بعوضة فما فوقها تقول لهم ما هو قدر البعوضة وما هو قدر بقية المخلوقات أمام الله؟ إن قدرهم أمام الله واحد، فكيف توازون بكلام الله كلام غير الله الذي هو مخلوق مثلكم؟ ولكن الذين قدسوا بشراً مثلهم على حساب الكتاب السماوي في زمن الرسالة وفي كل زمان وقعوا في ضلال عدم معرفة قدرهم، وما يؤكد هذا المعنى هو الآية التالية والتي تقول ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ «*» الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ سورة البقرة آية «26» و«27»، فيصف الذين ضلوا عن فهم مثال قدر المخلوقات بالبعوضة بأنهم نقضوا عهودهم مع الله ولم يأخذوا بكتابه وخرجوا عن مضامينه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل وهو إيصال حقائق الكتاب إلى الناس.
إن أول فساد في الدين هو تأسيس تلك الطبقية التي تحبس الكتاب السماوي في جبة أو عمامة أو صندوق أسود تماماً كما حبسه أهل الكتاب من قبل ومنعوا عموم الناس من التعامل معه والاحتكام إليه بشكل مباشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

كيف نتدبر القرآن؟ مع تطبيق في آية (59) من سورة النساء. - مقطع صوتي

ما هو التدبر ؟ وكيف يمكن أن نفهم  آية "وأطيعوا الله وأطيعو الرسول" آية (59) من سورة النساء من خلال الدبر؟ من أجل أن  نحقق التدبر لابد من دراسة مقطع الآيات التي وردت فيها الآية، المقطع الصوتي التالي هو دراسة ميسرة لمقطع الآيات من آية (59) إلى آية (70) من سورة النساء ومن ثم إرجاع الآية المعنية بالدراسة لهذا الفهم.
لمدة : 25 د 
تقديم : حلمي العلق.


وسائط
رابط 1
رابط 2
رابط 3
رابط 4

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

وإن تطع أكثر من في الأرض - سورة الأنعام من (111) إلى ( 125) - تسجيل صوتي

محاضرة صوتية لمدة 19 د تتناول موضوع الآيات 
من آية (111) إلى آية (125) من سورة الأنعام .

لمدة : 19 د
تقديم : حلمي العلق


وسائط
رابط 1
رابط 2
رابط 3
رابط 4