الجمعة، 4 مارس 2016

ملة إبراهيم - الجزء الأول

الحلقة الأولى: أهمية نبي الله إبراهيم
تقول الآية 123 من سورة النحل (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) الآية الشريفة تخاطب النبي محمد (ص) وتأمره بأن يتبع ملة إبراهيم ، وتقول آية شريفة أخرى(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) سورة البقرة (130)،  والآية الأخيرة تؤكد أيضاً ضرورة اتباع ملة إبراهيم وتصف بالسفه من لا يتبع الملة. فما هي ملة إبراهيم؟ وماهي أهمية ملة نبي الله إبراهيم(ع) في الدين؟ هذا ما نحاول معرفته من خلال آيات القرآن الكريم.
إن مكانة نبي الله إبراهيم (ع) تشبه مكانة آدم أبو البشر من حيث بداية التأسيس، فآدم مؤسس البشرية وإبراهيم عليه السلام مؤسس الملة، وبنفس هذه المقاربة يمكننا أن نقارب بين نبي الله موسى ونبي الله  نوح عليهما السلام من حيث اتساع البشرية في نوح والكثرة في بني إسرائيل الذين هم بنوا إبراهيم عليه السلام من فرع إسماعيل ويعقوب. إذاً يمكننا أن نقسم الرسالات إلى حقبتين زمانيتين، الأولى هي حقبة ما قبل نبي الله إبراهيم والحقبة الثانية هي ما بعده.
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) سورة النساء (163)، لا حظ كيف رتبت الآية السابقة الأنبياء وكيف ذكر نبي الله إبراهيم بعد نبي الله نوح عليهما السلام،لتضع خطاً زمنياً فاصلاً بين الحقبتين ، فقد تجددت الدعوة للتوحيد بعد الجهاد الذي بذله نبي الله إبراهيم في إعادة الدين والملة. ونلحظ هذا الفصل في مواضع أخرى في القرآن الكريم كالتي في سورة الأعراف من آية (98) التي تتحدث عن الأقوام في الأزمنة التي سبقت حقبة نبي الله إبراهيم (ع): (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)) ثم تأتي الآية (103) للتحدث عن بعثة نبي الله موسى (ع) (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف (103) والتي بدأت بقولها (ثم) أي بعد تلك الأمم في تلك الأزمان جاءت بعثة جديدة وهي التي تمثل نبي الله إبراهيم لأن موسى هو على ملة إبراهيم ومن بني إسرائيل، وهنا تتحدث الآية عن حقبة جديدة غير تلك الحقبة التي بدأت بنبي الله آدم ثم تشعبت في نبي الله نوح.
هناك آيات كثيرة تبين أهمية نبي الله إبراهيم بالنسبة للرسالات التي جاءت من بعده وسميت بالديانات الإبراهيمية  ذلك لأن الديانات جاءت في ذريته وتصديقاً وتأكيداً لما جاء به نبي الله إبراهيم في أصل دعوته التوحيدية لله رب العالمين. 





مواضيع ذات صلة:
الوطن العمانية ص 19
جهينة الإخبارية

الحلقة الثانية : ركائز الملة 
لملة إبراهيم (ع) ركائز ثلاث تذكرها آيات القرآن الكريم في أكثر من سورة وهي الإمامة، البيت و الكتاب. حول المقوم الأول وهو "الإمامة" تشير الآية (124) من سورة البقرة بقولها : (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).  والآية تذكر عهد نبي الله إبراهيم بالإمامة، وأنه (ع) دعا ربه أن تكون الإمامة من بعده في ذريته، فأجيبت دعوته على أن لا تعهد إلى ظالم.
الركيزة الثانية من ركائز الملة هي المسجد الحرام، وحول ارتباط البيت بملة إبراهيم  تقول الآية(97) من سورة آل عمران: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)  ولقد جاءت هذه الآية بعد الحديث مع بني إسرائيل وبعد أن دعتهم الآيات للرجوع إلى ملة إبراهيم ذكرت البيت، والبيت هو المكان الذي يتواجد فيه الإمام والكتاب السماوي.

أما الركيزة الثالثة فهي الكتاب السماوي والذي يعد الوثيقة الرسمية من رب العالمين للناس جمعاء ويحوي تعاليم الملة، وفي سورة آل عمران خاطبت الآية (93) النبي بأن ينهي الجدال مع بني إسرائيل حول المحرمات في الطعام بأن يطلب منهم أن يأتوا بالتوراة فيتلوها (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وفي الآيتين اللاحقتين لهذه الآية تشير إلى ملة إبراهيم (فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (*) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وعليه فإن ما جاء في التوراة مطابق لملة إبراهيم، وتعاليم ملة إبراهيم محتواة في التوراة والنبي محمد يحاججهم بكتابهم على أنه متضمن لتعاليم الملة ولكنهم خالفوها.

يبقى أن نشير إلى أن ملة إبراهيم تفرعت إلى فرعين أساسيين، الفرع الأول تثمل في  نبي الله إسحاق(ع) والثاني في نبي الله إسماعيل(ع)، ومن فرع إسحاق جاء يعقوب ومن بعده جاء موسى الذي جاء بالتوراة، أما من جهة نبي الله إسماعيل، فقد جاء النبي محمد (ص) الذي جاء بالقرآن الكريم. من جهة إسحاق جاءت التوراة ، ومن جهة إسماعيل جاء القرآن ، وكلاهما يحمل مضامين ملة إبراهيم عليه السلام . 






صحيفة الوطن العمانية ص 21
العودة لمواضيع قرآنية

الحلقة الثالثة : الوصايا العشر 
لملة إبراهيم وصايا كتبت في الصحف، وذكرت في القرآن الكريم ، فما هي هذه الوصايا العشر؟ وما علاقتها بملة إبراهيم؟ وما أهميتها في الدين ؟
تحدثنا في الحلقة السابقة عن مقومات ملة إبراهيم بعد أن تحدثنا عن أهمية نبي الله إبراهيم. واتضح لنا أن ملة إبراهيم هي أساس الديانات الإبراهيمية وأساس الإسلام ، كما تبين في الحلقة السابقة أن ركائز الملة ثلاث وهي الإمامة والبيت والكتاب السماوي، وفي هذه الحلقة نلقي الضوء على الوصايا العشر التي ذكرت في صحف إبراهيم وفي القرآن الكريم وفي التوراة من قبله.
ذُكرت الوصايا العشر في نهاية سورة الأنعام في الآيات من آية (151) إلى آية (153). (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (*) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
وقد اشتملت هذه الآيات على وصايا عشر هي :
1-  أن لا يُشرك بالله.
2-  الإحسان للوالدين.
3-  أن لا يُقتل الأولاد من إملاق.
4-   أن لاتُقرب الفواحش.
5-   أن لا تُقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
6-   أن لا يُقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.
7-   الوفاء عند الكيل.
8-   العدل في القول حتى مع ذوي قربى.
9-   الوفاء بالعهود.
10-                    أن لا نتبع السُبل فنتفرق عن سبيل الله.
هذه الوصايا تمثل الدستور والقيم الأساسية للملة، وقد جاءت الكتب السماوي من بعد نبي الله إبراهيم في تفصيل هذه الوصايا، حيث جاءت التوراة تفصيلاً لتلك  القيم الأساسية كما تشير الآية اللاحقة لآيات الوصايا العشر (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(1). ثم جاء القرآن الكريم مشتملاً على الملة وشارحاً لها كما كانت التوراة، حيث تبين الآية اللاحقة أيضاً (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(2) .
تمثل الوصايا العشر الحدود والقيم والقواعد العامة للملة، وهي الأساس الذي نزل على نبي الله إبراهيم قبل نزول الكتب السماوية المفصلة والشارحة والمتممة لنعمة تلك الوصايا. وقد اختتمت هذه الوصايا بوصية هامة وهي (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والتي تأمر متبعي الملة بعدم الانحراف عنها باتباع سبل مبتكرة أخرى تؤدي إلى التفرقة والابتعاد عن سبيل الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام (154)

(2) سورة الأنعام (155)






ذات صلة:
صحيفة الوطن العمانية - ص 21

الحلقة الرابعة : ملة إبراهيم والسفاهة 
إذا سئلت ما هو دينك؟ ستجيب الإسلام ، وإذا سئلت ماهي ملتك؟ فماذا ستجيب ؟ الملة هي ملة إبراهيم عليه السلام. ولكن أين نجد هذه الملة اليوم؟ وماعلاقة الملة بالسفاهة حين قال الله سبحانه وتعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)؟ فما هو السفيه ؟ وما هي السفاهة في الدين؟ وهل نحن مأمورن باتباع هذه الملة؟  وما هي مقومات اتباع ملة إبراهيم؟




مواضيع ذات صلة
مقال بعنوان : أين نجد ملة إبراهيم؟


الحلقة الخامسة : لماذا سميت الملة بملة إبراهيم
لماذا سميت الملة بنبي الله إبراهيم ؟ هل فقط لأن نبي الله إبراهيم هو الذي أسسها ؟ أم أن لهذه التسمية أهداف تعمل لصالح الدين والإسلام.
سميت الملة بنبي الله إبراهيم حتى يكون نقطة مرجعية تاريخية يقاس من خلالها انحراف الديانات من بعده ، تماماً كما قاس القرآن الكريم انحراف اليهودية والنصرانية عن قيم الملة الأساسية من خلال هذه التسمية .


الحلقة السادسة : الإمامة والعهد 
إمامة الدين عهد عهده الله سبحانه وتعالى إلى نبي الله إبراهيم وإلى الصالحين من ذريته، ما أصل الحكاية؟ وما أنواع الإمامة حسب القرآن الكريم، وما فروع ملة إبراهيم ، وما معنى الصلاة على النبي بالصيغة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.




الحلقة السابعة : دين واحد 
يحاجج النبي محمد (ص) أهل الكتاب بالقرآن الكريم على أحكام في الطعام، وعلى اتجاه القبلة وعلى اعتقادهم في دخول الجنة وعلى مسمى الدين، وهذه المحاججات لم تأت إلا لأن الملة هي ملة واحدة ولكنهم بدلوها واستحدثوا غير ما أنزل الله إليهم وماشرعه في كتبهم السماوية.




الحلقة الثامنة : الكتب السماوية 
ماعلاقة الكتب السماوية ببعضها البعض؟ 
ماعلاقة القرآن بصحف إبراهيم ؟ ما علاقة القرآن بصحف موسى؟ 
وهل جاء القرآن ليلغي أحكام الكتب السماوية السابقة ؟ أم أنه جاء ليؤكد على الإلتزام بها؟ 


مواضيع ذات صلة : 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق