الجمعة، 15 سبتمبر 2017

تدبر القرآن الكريم



الحلقة الأولى : التدبر خارج إطار التفسير 



ما معنى كلمة تفسير ؟
التفسير هو إزالة الإبهام، وشرح ما انطوت عليه ظاهرة ما من أسباب؟ وقد يشمل بعض الأحيان إيضاح المعاني. تفسير الظواهر هي وظيفة العلماء الذين يسبرون أغوار العلم من أجل إيضاح الأسباب التي لا يمكننا أن نفهمها بشكل بسيط، لنأخذ لذلك مثالاً :
مثال1 : عندما تكون أيدينا مبتلة بالماء ونعرضها للهواء فترة، يختفي الماء وتجف! هذه ظاهرة، وهذه الظاهرة تثير المراقب بالأسئلة: أين اختفى الماء ؟ ما تفسير هذه الظاهرة ؟ ما سبب اختفاء الماء ؟ يأت العلم ليفسر تلك الظاهرة ويعطيها إسماً وهو التبخر .
مثال2 : وبالمثل يمكننا أن نتساءل عن ظواهر أخرى كثيرة مثل اختفاء قرص الشمس بدائرة تكاد تنطبق عليها، لنتساءل كيف حصل هذا؟ وما أسبابه؟ فيأتي الجواب من العلماء بأن هذا هو كسوف الشمس، فنقول أن كسوف الشمس هي ظاهرة فلكية تحدث عندما تكون الأرض والقمر والشمس على استقامة واحدة. وبالمثل نتساءل عن سبب الزلزال وهو تحرك الصفائح، وعن نمو النبات وهو التمثيل الضوئي أو البناء الضوئي، أو تفسير نمو الإنسان هو التنفس الخلوي. كل هذه تفسيرات، ولكل مسمى من هذه المسميات تفصيلات تبين سبب تلك الظاهرة. ولا يستطيع أن يجيب عن تلك الظاهرة بشكل موثوق إلا مختص مطلع ومضطلع في مجاله.
تفسير القرآن الكريم
بالمثل نريد أن نؤكد أن تفسير القرآن الكريم هو علم مستقل بذاته كبقية العلوم يتناوله مختص في اللغة وعارف ببلاغتها، وعالم في مجالات أخرى حتى يتمكن من تفسير ظاهرة القرآن الكريم وظواهر آياته الشريفة، وإيضاح أسبابها اللغوية والبلاغية، فإيضاح الأسباب يسمى تفسيراً.
مثال : في قوله تعالى ﴿ الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، قد نتساءل: لماذا رفعت كلمة ( الكتاب ) بالضمة الظاهرة في الآية من سورة البقرة؟ الإجابة يدلي بها أرباب اللغة المختصون وهو أن "الكتاب" بدل من اسم الإشارة مرفوع، ويجوز إعرابه خبراً لاسم الإشارة. هكذا فسّرنا لغوياً لماذا ظهرت الضمة آخر كلمة الكتاب؟ وبنفس الطريقة يمكننا أن نفسر بقية الظواهر القرآنية: مثل البيان اللغوي والبلاغة، وسبب التقديم  والتأخير في بعض الكلمات، والظروف التاريخية التي صاحبت نزول تلك الآيات الشريفة إلى آخره.
مثال:
(إياك نعبد وإياك نستعين)
كيف قدم العبادة على الاستعانة؟ والاستعانة مقدمة، لأن العبد يستعين بالله على العبادة فيعينه الله تعالى عليها!
يجيب أحد مختصين اللغة والبلاغة : الواو تدل على الترتيب، أو المراد بهذه العبادة هو التوحيد، وهو مقدم على الاستعانة على أداء سائر العبادات، فإن لم يكن موحداً لا يطلب الإعانة على أداء العبادات.
ولكن :

 وجود علماء مختصون في هذا المجال لا ينفي أبداً وجوب تدبر القرآن الكريم من قبل غير المختص، فتفسير القرآن شيء، وتدبره شيء آخر.  فحصر التفسير عند طبقة معنية من المختصين لا يعني أبداً حصر القرآن وإهماله على الأرفف، وهجره والصد عنه والإعراض عن آياته، فكل ذلك مرفوض بصريح القرآن الكريم، يبقى ما هو واجب على كل مؤمن وهو قراءة القرآن بتدبر ،  والتدبر  هو موضوع قائم على الميسر من الفهم، وترك ما يحتاج إلى مختصين، فالإنسان سيحاسب على إهماله للقرآن، وسيحاسب على ما يصله من فهم على قدر ما يعلم وهذا هو المطلوب. 

التدبر
هو عكس التقدم، التقدم هو تلاوة الآيات باتجاه الأمام ، أما التدبر فهو الرجوع إلى البداية ( بداية مقطع الآيات ) بعد الوصول إلى نهايتها، وهذا يعني إرجاع القول إلى بعضه البعض فلا نفهم الآية مقطوعة، ولكن لابد من فهمها من خلال الموضوع الذي وجدت فيه.
النتيجة:
التدبر يعني عدم اقتطاع الآية من النص التي احتواها، والالتزام بالموضوع، وعدم التعجل في الفهم.

مثال : قصة البقرة
في الآيات من آية ( 67 ) إلى آية ( 76) ، بدأت الآيات بقول نبي الله موسى (ع) لقومه " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " دون أن يعلم القارئ ما سبب هذا الأمر؟ وما هدفه ؟ وبعد الحوار الذي دار بين بني إسرائيل ونبي الله موسى، وفي آية ( 72) يتضح السبب، وهو أنهم قتلوا نفساً، ومن أجل التحقق من القاتل أمر الله أن يذبحوا بقرة فيضربوا المقتول ببعضها فيعود للحياة ليشير للقاتل.
كثير من الآيات في القرآن الكريم، من أجل أن تفهم يجب أن توضع في إطارها الكامل غير المنقوص، واقتطاع الآية من مجموعة الآيات قد يؤدي إلى إساءة فهمها، ويفتح الباب أمام تأويلات لا تقصدها أصل الآية. لذا على المتدبر للقرآن أن يبدأ في التقرب للآيات كمقاطع آيات تحمل موضوعاً واحداً من أجل فهم الموضوع والتمسك به لفهم جزيئيات هذا المقطع.


الحلقة الثانية : منهجية التدبر


الحلقة الثالثة: اشتراطات التدبر 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق